وفي قوله (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) دليل على أنهما جميعا كانا على الصواب (يُسَبِّحْنَ) حال بمعنى مسبحات. أو استئناف، كأن قائلا قال: كيف سخرهنّ؟ فقال: يسبحن (وَالطَّيْرَ) إمّا معطوف على الجبال، أو مفعول معه. فإن قلت: لم قدمت الجبال على الطير؟ قلت: لأنّ تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدلّ على القدرة وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد والطير حيوان ناطق. روى أنه كان يمرّ بالجبال مسبحا وهي تجاوبه. وقيل: كانت تسير معه حيث سار. فإن قلت: كيف تنطق الجبال وتسبح؟ قلت. بأن يخلق الله فيها الكلام كما خلقه في الشجرة حين كلم موسى. وجواب آخر:
أن كل مجتهد مصيبٌ. وهذه مخالفةٌ لقوله:(فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ)، ولولا النقلُ لاحتمل توافقهما، على أن قوله:(فَفَهَّمْنَاهَا) لإظهار ما تفضل عليه في صغره. تم كلامه.
يريد أن الأصل: ففهمناهما، ولما اختص سُليمان عليه السلام بصغر السن، والفهم منه أغربُ، خُص بالذكر.
قوله:(والطير حيوانٌ ناطقٌ)، يعني: أن الجبل صامتٌ والطير ناطقٌ. النهاية: في الحديث: "على رقبته صامت" يعني الذهب والفضة، خلاف الناطق وهو الحيوان.
الراغب: لا يكاد يُقال النطقُ إلا للإنسان، ولا يُقالُ لغيره إلا على سبيل التبع نحو: النطق والصامت، فيرادُ بالناطق: ماله صوتٌ، وبالصامت: مالا صوت له.