للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن كان تشبيها مركبا فكأنه قال: من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده نهاية، بأن صور حاله بصورة حال من خرّ من السماء فاختطفته الطير،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقلتُ: في إيثار المضارع إشعارٌ باستحضار تلك الحالة العجيبة في مشاهد المخاطب تعجيباً له.

واعلم أن تشبيه الأفكار المتوزعة بخطف الطير مأخوذٌ من قوله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ) [الزمر: ٢٩]. قال المصنف: "فهو متحيرٌ في أمره، قد تشعبت الهمومُ قلبه، وتوزعت أفكاره، لا يدري أيهم يُرضي؟ ".

وأن تشبيه الشيطان المضل بالريح المهوية إلى مكان سحيق مأخوذٌ من قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً) [مريم: ٨٣]. قال: "تُغريهم على المعاصي، وتهيجهم لها، فتؤديهم إلى التمادي في الغي، والإفراط في العناد، والتصميم على الكفر، وإلى الضلال البعيد"، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: (فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ). وإذا حُمِلَ (أوْ) على التخيير يُمكن أن يُحمل على المعنيين كما قال في قوله تعالى: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاءِ) [البقرة: ١٩]: "معناه: أن كيفية قصة المنافين مشبهةٌ بكيفيتي هاتين القصتين، وأن القصتين سواءٌ في استقلال كل واحدةٍ منهما بوجه التمثيل، فبأيتهما مثلتَ فأنت مُصيب، وإن مثلتها بهما جميعاً فكذلك". ولهذا عطف في المفرق قوله: "والشيطان الذي يطوح"، بالواو على "الأهواء التي تتوزع" ليؤذن به أن (أَوْ تَهْوِي) عطفٌ على (فَتَخْطَفُهُ)، والمجموعُ تشبيهٌ واحد، وعطف في المركب قوله: "أو عصفت به الريحُ" على قوله: "خر من السماء فاختطفه الطير" بـ"أوْ" ليشير به إلى أن قوله: (أَوْ تَهْوِي) عطفٌ على قوله: (خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ)، والمجموع تشبيهان؛ لأن المركب يكفي في أخذ الزبدة من كل واحد من المعطوف والمعطوف عليه، بخلاف المُفرقِ فإنهُ كلما كانت المفردات أكثر كان التشبيه أحسن، وفي القبول أدخل.

<<  <  ج: ص:  >  >>