وإنما ذكرت القلوب لأنها مراكز التقوى التي إذا ثبتت فيها وتمكنت، ظهر أثرها في سائر الأعضاء. (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها. و (ثُمَّ) للتراخي في الوقت، فاستعيرت للتراخي في الأحوال. والمعنى: أن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم، وإنما يعتدّ الله بالمنافع الدينية، قال سبحانه (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)] الأنفال: ٦٧ [وأعظم هذه المنافع وأبعدها شوطا في النفع: (مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ) أى وجوب نحرها. أو وقت وجوب نحرها في الحرم منتهية إلى البيت، كقوله (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ)] المائدة: ٩٥ [والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت، لأن الحرم هو حريم البيت. ومثل هذا في الاتساع قولك:"بلغنا البلد"، وإنما شارفتموه واتصل مسيركم بحدوده. وقيل: المراد ب"الشعائر": المناسك كلها، و (مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ) يأباه.
وقلتُ: فعلى هذا لابد من جعل اللام بدلاً من المضاف إليه للربط، كما أن الراجع من تقدير المصنف ما دل عليه عمومُ ذوي القلوب، قال أبو البقاء: والعائدٌ على من محذوفٌ، أي: فإن تعظيمها منه، أو من تقوى القلوب منهم، ويُخرجُ على قول الكوفيين أن يكون التقديرُ: من تقوى قلوبهم، والألف واللامُ بدلٌ من الضمير.
قوله:(وإنما ذُكرت القلوبُ؛ لأنها مراكزُ التقوى)، يعني: أُطلقتِ القلوبُ على الجملة كلها إطلاقاً للبعض على الكل؛ لأن التقوى لا تختصُّ بالقلب، فإن لكل عُضو تقوى، ولكونه رئيس الأعضاء وأِرفها صح هذا المجازُ لقوله تعالى:(فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)[البقرة: ٢٨٣].