ولا تلتفتْ إلى فساد أقوالهم، حتى إذا رأوك كذلك أمسكوا عنك، ولا يُنازعُنَّك، فلفظ النهي لهم، ومعناه له صلوات الله عليه.
هذا إذا أجريت المفاعلة على واحدٍ مبالغةً.
قوله:(وقال الزجاج)، والمذكور في كتابه: المعنى: أنه نهيٌ له صلواتُ الله عليه عن منازعتهم، كما تقولُ: لا يخاصمنك فلانٌ في هذا أبداً، وهذا جائزٌ في الفعل الذي لا يكون إلا بين اثنين؛ لأن المجادلة والمخاصمة لا تتم إلا باثنين، فإذا قلت: لا يجادلنك فلانٌ، فهو بمنزلة: لا تجادلنه، ولا يجوزُ هذا في قولك: لايضربنك فلانٌ، وأنت تريدُ: لا تضربه، ولكن لو قلت: لا يضاربنك فلانٌ، لكان كقولك: لا تُضاربنَّ فلاناً.
وقلتُ: الفرقُ بين التفسيرين هو أن الأول نهيٌ عن الكينونة على وصفٍ يكونُ سبباً لمنازعتهم، وهذا نهيٌ عن المنازعة نفسها، وكلاهما كنايتان.
قوله: (وقرئ: "فلا ينزعُنك")، قال ابن جني: وهي قراءةُ لاحق بن حُميد، ظاهره: فلا يستخفنك عن دينك إلى أديانهم، فيكون بصورة المنزوع عن شيء إلى غيره، نحو قوله تعالى:(وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)[الروم: ٦٠] فاثبت على دينك ولا يمل بك هواك إلى دين غيرك.