للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه، ليكون ما يقولونه بمسمع منك. و (يَرْجِعُونَ) من قوله تعالى: (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) [سبأ: ٣١] فيقال: دخل عليها من كوّة فألقى الكتاب إليها وتوارى في الكوّة.

فإن قلت: لم قال: فألقه إليهم، على لفظ الجمع؟ قلت: لأنه قال: (وجَدتُّهَا وقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ)، فقال: فألقه إلى الذين هذا دينهم، اهتماما منه بأمر الدين، واشتغالا به عن غيره. وبنى الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك.

[(قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَاتُونِي مُسْلِمِينَ)].

(كَرِيمٌ) حسن مضمونه وما فيه، أو وصفته بالكرم، لأنه من عند ملك كريم، أو

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (حسن مضمونه وما فيه)، أي: أن معناه حسنٌ، وكتابته وترتيبه، وما يتوخى في مثله الحسن مجموعٌ فيه، لما مر في "الشعراء" أن الشيء إذا وصف بالكرم، كأن المراد أن ذلك الشيء فائقٌ في بابه فعلى هذا قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} إلى {مُسْلِمِينَ} بيان لما في الكتاب، كما صرح به الزجاج، كأنها لما قالت: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} أي: حسن مضمونه وما فيه، اتجه لسائل أن يقول: بيني لي مضمونه وما فيه، أجابت: فيه {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ}، فقوله: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} مبتدأ خبره محذوف، أما على الفتح فظاهر، وأما على الكسر فعلى تأويل: فيه هذا اللفظ، كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ} على قراءة الفتح والكسر، فعلى هذا "أن" في {أَلَّا تَعْلُوا} ناصبة، أي: فيه أن لا تعلوا، وإنما لم يؤت بحرف النسق للدلالة على أن الجملتين السابقتين كالتمهيد للثالثة، لأنها المقصودة بالذات، ولذلك عطف الأمر على النهي على سبيل الطرد والعكس تأكيداً، فعلم من هذا التقرير أن ما في كلام الله المجيد مختصر مما في كتاب نبي الله، وذكر ما هو أهم وأعني، ويعضده جواب جعفر ابن يحيي حين سئل عن أوجز كلام فتلا الآية، فقال: جمع الله فيها العنوان والكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>