للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما كان الناظر موصوفا بإرسال الطرف في نحو قوله:

وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا … لقلبك يوما أتعبتك المناظر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العين امتد إلى المرئي، وإذا أغمضت فقد يتوهم أن ذلك النور ارتد إلى العين، فكما وصف الشاعر النظر بالإرسال، ووصف العالم الانتهاء بالرد، ثم أسند الارتداد إلى الطرف على المجازي، وقال: يرتد إليك طرفك، لأن الأصل: ترد طرفك.

قوله: (وكنت إذا أرسلت) البيت، بعده:

رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ … عليه ولا عن بعضه أنت صابر

قال المرزوقي: "رائدًا" حالٌ، وجواب "إذا": "أتعبتك المناظر"، وقوله: "رأيت الذي"، تفصيلٌ لما أجمله "أتعبتك المناظر"، والرائد: الذي يتقدم القوم لطلب الكلأ لهم. المعنى: إذا جعلت عينك رائداً لقلبك تطلب له هواهم، فتتعبك مناظرها، وأوقعتك مواردها في أشق المكاره، وذلك أنها تهجم بالقلب في ارتيادها له على ما لا يصبر في بعضه على فراقه مع مهيجات اشتياقه، ولا يقدر على السلو عن جميعه، فهو ممتحنٌ الدهر ببلوى ما لا يقدر على كله، ولا يصبر عن بعضه.

وعن بعض الحكماء: من أرسل طرفه استدعى حتفه، وفي المثل: الرائد لا يكذب أهله، لأنه إن كذب هلك معهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>