بالشيء عقد عليه طرفه، وسدّد إليه نظره، وقوّم له وجهه، مقبلًا به عليه. و (حَنِيفاً) حال من المأمور، أو من الدين (فِطْرَتَ الله) أى: الزموا فطرة الله. أو عليكم فطرة الله. وإنما أضمرته على خطاب الجماعة لقوله:(مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) ومنيبين: حال من الضمير في: الزموا. وقوله:(وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصلاة وَلا تَكُونُوا) معطوف على هذا المضمر. والفطرة: الخلقة. ألا ترى إلى قوله:(لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله) والمعنى: أنه خلقهم قابلين
قوله:(أي: الزَمُوا فِطرةَ اللهِ، أو عليكم فِطرةَ اللهِ) قال مكيُّ: {فِطْرَتَ اللَّهِ} نصب بإضمار فعلٍ؛ أي:((اتَّبِعْ فطرةَ الله))، ودلَّ عليه قولُه:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ}؛ لأنَّ معناه:((اتَّبعِ الدِّينَ))، وقيل:{فِطْرَتَ اللَّهِ} انتَصبَ على المصدر؛ لأنَّ الكلامَ دَلَّ على فَطْرِ الله [الخلقَ] فِطرةً. والتَّقديرُ الأوَّل أقربُ إلى تأليف النَّظْم؛ لأنَّه موافقٌ لقوله:{بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُم}، ولترتُّبِ قولِه:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ} عليه بالفاء.
وأما قولُه:{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} فهو حالٌ من الضَّمير في {أَقِمْ}، وإنَّما جُمع لأنَّه مردودٌ على المعنى؛ لأنَّ الخطابَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم لأُمّتِه؛ أي: أَقيمُوا وُجوهَكُم مُنيبِينَ إليه.
وقال الفرّاءُ: أي: ((أقِمْ وَجهَكَ ومَنِ اتَّبعكَ))؛ كقوله تعالى:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ}[هود: ١١٢] فلذلك قال: {مُنِيبِينَ}.
وفي ((المرشد)): أنَّ {مُنِيبِينَ} متعلِّق بمُضْمَرٍ، أي: كُونوا مُنيبينَ؛ لقوله:{وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي: كونوا منيبين ولا تكونوا مشركين وقال: هذا حَسَنٌ.
قوله: (أَلا تَرى إلى قوله: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} يعني دلَّ قولُه: {لِخَلْقِ اللَّهِ} على أنَّ معنى فِطْرةَ الله: الخَلْقُ، وأنه من إقامة المُظْهَرِ موضعَ المُضْمَرِ من غير لفظِه السابقِ، وفائدتُه