للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تسمي الأمصار البحار. وقرئ: (في البر والبحور)، (بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) بسبب معاصيهم وذنوبهم، كقوله تعالى: (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)] الشورى: ٣٠ [. وعن ابن عباس: (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ) بقتل ابن آدم أخاه. وفي البحر بأن جلندى كان (يأخذ كل سفينة غصبا)، وعن قتادة: كان ذلك قبل البعث، فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع راجعون عن الضلال والظلم. ويجوز أن يريد ظهور الشر والمعاصي بكسب الناس ذلك. فإن قلت: ما معنى قوله: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)؟ قلت أمّا على التفسير الأول فظاهر، وهو أنّ الله قد أفسد أسباب دنياهم ومحقها، ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة، لعلهم يرجعون عما هم عليه، وأمّا على الثاني فاللام مجاز، على معنى أنّ ظهور

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (تسمي الأمصارَ البِحارَ) ومنه حديثُ عبدِ اللهِ بنِ أُبيٍّ: اصطلح أهلُ هذهِ البُحَيرَةِ أن يُعصِّبوه بالعصابة. البُحيَرة: المدينة.

قوله: (رجع راجعون) أي: رجع قوم راغبون في الإسلام رجوعًا.

قوله: (وأمّا على الثّاني فاللاّمُ مجاز)؛ لأنَّ المراد بالفساد حينئذ ظهورُ الشَّرِّ والمعاصي في الأرض بسبب كَسْبِ النّاس ذلك وقوله: {لِيُذِيقَهُم} عِلَّة لكَسْب الناس المعاصي وليس غرضُهم في كسبها أن يُذيقَهم اللهُ وبالَ ما كَسَبوا، فاللاّمُ حينئذٍ كاللاّم في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨].

وأمّا على الأوَّل فهي عِلَّة لظُهور الفَسَادِ، والمراد بالفساد: الجَدبُ والقَحْطُ ومَحْقُ البَركاتِ وأمثالُها، وهي فعلُ اللهِ زجرًا لهم ورَدْعًا من ذلك الكَسْب، وإليه أشار بقوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عمّا هم عليه.

قال أبو البقاء: {لِيُذِيقَهُم} متعلِّق بـ {ظَهَرَ} أي: ليصيرَ حالُهم إلى ذلك. وقيل: التقدير: ((عاقَبهم ليُذيقَهُم)).

<<  <  ج: ص:  >  >>