للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ١٦]

الوسوسة: الصوت الخفي، ومنها: وسواس الحلي، ووسوسة النفس: ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس، والباء مثلها في قولك: صوت بكذا وهمس به، ويجوز أن تكون للتعدية، والضمير للإنسان،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وخلط وحيرة منهم، وكان من حق الظاهر أن يقال: إنهم لا ينكرون الخلق الأول، بل هم في لبس من الخلق الثاني، فوضع موضعه ما يقوي شبهتهم واستبعادهم من قوله: "جديد"، ونكره تنكير تعظيم لينبه على أنه خلق جديد له شأن عظيم، ولذلك قولوا: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [سبأ: ٧]، {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [السجدة: ١٠]، ولمثل هذا ينبغي أن يهتم ويخاف منه ويبحث.

والحاصل: أن الخلق الجديد بالنسبة إليهم أمر عظيم، وبالنسبة إلى الله أسهل وأهون، وكان الواجب عليهم إزالة تلك الشبهة بالقياس الصحيح، فهم ما بحثوا عن ذلك، وداموا على ما كانوا عليه، فوقعوا في تلك الورطة.

وأما قضية النظم: فإن الفاء في {أَفَعَيِينَا} عطف الجملة على جملة قوله: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إلَى السَّمَاءِ}، والهمزة دخلت بين المعطوفين لمزيد الإنكار، والدليل الأول: آفاقي، والثاني: أنفسي، كأنه قيل: أفلم ينظروا أنا لم نعجز عن خلق السماوات والأرض، فيعلموا أن خلق أمثالهم أسهل على اعتقادهم، كما تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: ٨١]، ثم قيل: ألم يعلموا أنا لم نعجز عن الخلق الأول، وهو الإخراج عن العدم المحض، ثم قال: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}.

قوله: (والباء مثلها في قولك: صوت بكذا): أي: الباء صلة، كما تقول: ينطق به، وفي الكواشي: ونعلم ما تحدثه نفسه، والباء زائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>