للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي: أخرجه أحوى أسود من شدة الخضرة والري، (فَجَعَلَهُ غُثَاءً) بعد حويه.

[(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى • إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إنَّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ ومَا يَخْفَى) ٦ - ٧]

بشره الله بإعطاء آية بينة، وهي: أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه ولا ينساه، (إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) فذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته، كقوله: (أَوْ نُنسِهَا) [البقرة: ١٠٦] وقيل: كان يعجل بالقراءة إذا لقنه جبريل، فقيل: لا تعجل، فإن جبريل مأمور بأن يقرأه عليك قراءة مكررة إلى أن تحفظه؛ ثم لا تنساه إلا ما شاء الله، ثم تذكره بعد النسيان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فعلى الثاني: في الكلام تقديم وتأخير؛ إذ التقدير: الذي أخرج المرعى أحوى، أي: أخضر، فجعله غثاءً، ولا يكون {فَجَعَلَهُ غُثَاءً} فصلاً بين الصلة ومتعلقه، لأن قوله: {فَجَعَلَهُ} أيضاً في الصلة، والفصل بين الصلة وبعضها جائز.

هذا هو المراد من قول أبي البقاء: "قيل: {أَحْوَى} حال من {الْمَرْعَى}، أي: أخرج المرعى أخضر، ثم صيره غثاءً؛ فقدم بعض الصلة"، ومن ثم قدر المصنف: فجعله غثاءً بعد حوته.

قوله: (فيحفظه ولا ينساه {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ})، اعلم أنه أجرى {مَا شَاءَ اللَّهُ} تارة على حقيقية الاستثناء، وأخرى على المجاز. أما الأول فعلى وجوه:

أحدها: قوله: "فيحفظه ولا ينساه {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} ". والمراد بالنسيان على هذا ما هو قسيم النسخ، من رفع الحكم والتلاوة، كما قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} [البقرة: ١٠٦]. ويلحق بهذا الوجه الوجه الأخير، وهو قوله: " {فَلَا تَنسَى}، على النهي"، كقوله: "إلا ما شاء الله أن ينسيكهه برفع تلاوته للمصلحة".

وثانيها: قوله: "أن تحفظه ثم لا تنساه إلا ما شاء الله"، فإن النسيان على هذا هو المتعارف، ولما كان المراد منه: لا ينساه نسياناً كلياً كما قال في الوجه الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>