بشره الله بإعطاء آية بينة، وهي: أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه ولا ينساه، (إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) فذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته، كقوله:(أَوْ نُنسِهَا)[البقرة: ١٠٦] وقيل: كان يعجل بالقراءة إذا لقنه جبريل، فقيل: لا تعجل، فإن جبريل مأمور بأن يقرأه عليك قراءة مكررة إلى أن تحفظه؛ ثم لا تنساه إلا ما شاء الله، ثم تذكره بعد النسيان.
فعلى الثاني: في الكلام تقديم وتأخير؛ إذ التقدير: الذي أخرج المرعى أحوى، أي: أخضر، فجعله غثاءً، ولا يكون {فَجَعَلَهُ غُثَاءً} فصلاً بين الصلة ومتعلقه، لأن قوله:{فَجَعَلَهُ} أيضاً في الصلة، والفصل بين الصلة وبعضها جائز.
هذا هو المراد من قول أبي البقاء:"قيل: {أَحْوَى} حال من {الْمَرْعَى}، أي: أخرج المرعى أخضر، ثم صيره غثاءً؛ فقدم بعض الصلة"، ومن ثم قدر المصنف: فجعله غثاءً بعد حوته.
قوله:(فيحفظه ولا ينساه {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ})، اعلم أنه أجرى {مَا شَاءَ اللَّهُ} تارة على حقيقية الاستثناء، وأخرى على المجاز. أما الأول فعلى وجوه:
أحدها: قوله: "فيحفظه ولا ينساه {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} ". والمراد بالنسيان على هذا ما هو قسيم النسخ، من رفع الحكم والتلاوة، كما قال تعالى:{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا}[البقرة: ١٠٦]. ويلحق بهذا الوجه الوجه الأخير، وهو قوله:" {فَلَا تَنسَى}، على النهي"، كقوله:"إلا ما شاء الله أن ينسيكهه برفع تلاوته للمصلحة".
وثانيها: قوله: "أن تحفظه ثم لا تنساه إلا ما شاء الله"، فإن النسيان على هذا هو المتعارف، ولما كان المراد منه: لا ينساه نسياناً كلياً كما قال في الوجه الأول.