لأن أسماء العلوم قد تطلق على الملكات الحاصلة من إدراكات مسائلها، كما أنها تطلق على نفس المسائل وعلى إدراكاتها. وأما التجويد المعرف: بأنه إعطاء الحروف حقوقها من المخارج والصفات فليس الذي هو اسم الفن، بل هو صفة للقارئ المجود، فللتجويد معنيان اصطلاحيان. قيل موضوعه الكلمات القرآنية، وفيه نظر، إذ البحث فيه عن مطلق الحروف، فلعله بعض علم التصريف، ولذا اشتمل عليه بعض كتبه كالشافية.
ولما كان غرض من أفرده عن التصريف معرفة أحوال الكلمات القرآنية اعتبر موضوعه الكلمات القرآنية. قال علي القاري لا خلاف في أن علم التجويد فرض كفاية والعمل به فرض عين.
أقول: فيه نظر لأن العلم تابع للمعلوم، كما صرح به، فلزم أن علمه فرض عين أيضا، والجواب: أن كون العلم تابعاً للمعلوم فيما إذا توقف تحصيل المعلوم عله، والعمل بالتجويد قد يحصل بالأخذ من أفواه مشايخ الأداء، بل ذلك هو العمدة، لكن بمعرفة قواعد ذلك الفن يسهل الأخذ عن أفواه المشايخ، وبها يعرف غلط الأساتذة، ويصان المأخوذ عن التحريف والشك، ويزيد بها المهارة. قال مكي في الرعاية: من لم يعرف قواعد التجويد واقتصر على السماع من أفواه الأساتذة، فذلك وهن ضعيف لا يلبث أن يشكك ويحرف، انتهى. وفي هذا الفن مؤلفات لا تحصى، فهو فن اهتم به أسلاف العلماء.