وحروفها من كلِّ بؤسٍ ركبت ... لتعمَّ من يغشاه بالأشجان
فالغين من غمٍّ وغبن دائمٍ ... والرَّاء من رزء على الأوطان
والبناء من برحٍ وبينٍ أوبلى ... والهاء من همٍّ وهلك داني
وأنشدني تاج الدين أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر بن إسماعيل القرطبي الدمشقي بها، قال: أنشدني أبو محمد عيسى بن سليمان بن عبد الله بن عبد الملك بن عبد الله بن محمد الرعيني، في الجزء الأول من تأليفه الذي سماه "كتاب الحنين إلى الأحباب والأوطان الغالب على النفس هواه والهوى سلطان" فمن ذلك ما أنشأه في وصفه، وهو عشرون بابًا: [من البسيط]
/٢٢٨ ب/ هذا كتاب قصيِّ الدَّار ممتحن ... بفرقة الأهل والأخدان والوطن
صبِّ مشوق براه البين فاضطرمت ... أحشاؤه فغدا والهمّ في شطن
كذاك كلُّ غريب الدَّار منتزحٍ ... ما عن له حيث ما قد حلَّ من سكن
يشكو البعاد وما قد ظلَّ يرمقه ... من سوء فعل النَوى في السِّرِّ والعلن
طال الثَّواء بأرض الشَّام وأسفي ... ماذا منيت به من غدرة الزَّمن
فالله يجبر ثكلي ثمَّ يجمعني ... قبل الممات بمن أهوى بلا محن
برحمة منه ما أرجو سواه كذا ... سبحانه جلَّ ذو الإحسان والمنن
وأنشدني، قال: انشدني لنفسه في الباب الأول؛ وهو باب في ذم الغربة والاغتراب وبيان كون الغريب أذل من التراب: [من الوافر]
أبت لي همَّتي وأبى انتخابي ... سوى حفظ المودَّة والإخاء
ألا إنِّي بشتَّل مستهامٌ ... أدين لساكنيها بالوفاء
شتَّل: اسم ضيعة من ضياع مالقة بها أهله وولده.
/٢٢٩ أ/ أهيم بمن بشتَّل قد أقاموا ... ونابهم بلا مين شقائي
إذا الأقدار لم تسمح بقرب ... سأقني في ودادهم ذمائي