للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينًا مستورًا، معروفًا بين الأكابر مذكورًا: [من الطويل]

إذا جد عند الجد أرضاك جده ... وذو باطلٍ إن شب ألهاك باطله

قطع مدةً من شيبته في مصاحبة الشطار، وأنفق جملةً من عمره في معاشرة الفتاك والدعار، وحبس في سجن بغدد على ما أخبرنا به.

وكان صادقًا مدة سبع عشرة سنة، مقيمًا في منزل ضنك موحشة أقطاره، ومحبس نزل مظلم ليه ونهاره، لا يرى السماء إلا مريعة من جميع نواحيه، ولا يزيد إلا وحشة كثرة ساكنيه، ينسخ المصاحف؛ فكتب على ما اخبرني نيفا وستين مصحفًا لطيفًا في جملة ما كان يورقه.

حدثني- رحمه الله تعالى- أنه كتب في الحبس مصحفًا لطيفًا أقام على كتابته مدةً، وضمن ألا يكتب فيه حرفًا مغلقًا ولا مطموسًا، ووفى بذلك، وأهداه إلى الوزير عون الدين أبي المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة، يتوصل به إلى إخراجه؛ فقال: يجب على من كتب هذا الكتاب الكريم على هذا القدر، قطع يده، هلا كتبه مقدار حمل تعظيمًا له؟ أو كما قال.

فلما أطلق من اعتقاله، وخلص من ضيق وثاقه وعقاله، وصل إلى الموصل، ثم فصل عنها على إربل؛ فكان من حاله ما تقدم ذكره، وسأعقب هذا الفصل بجملةٍ من شعره، التي هي محصوله من عمره؛ مما يستدل به على سلامة قريحته، ويعتبر به سماحة فكرته وكان يعمل على طبعه في النظم، فيقع له الحسن المنقح، والعامي المطرح؛ وكان مولعًا باستعمال الألفاظ العامية؛ فمن ذلك ما أنشدنيه لنفسه؛ أنشدني الصاحب الوزير أبو البركات المستوفي؛ قال: أنشدني أستاذي ومؤدبي أبو عبد الله لنفسه: [من مجزوء الخفيف]

من لصب متيم ... قد حناه حنينه

<<  <  ج: ص:  >  >>