للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والهجران؟ أما آن لك أن تغفر هذه الزلة والخطيئة؟

وأخذ في الاعتذار والتنصل من ذنوبه، فصالحه أبو بكر، وأقبل عليه، وتعاتبا ساعة؛ والغلام قد صار شابًا ذا لحية، فحين انفصل وذهب أبو بكر إلى منزله، عمل فيه هذه الأبيات.

على أن فيه أبياتًا كثيرة مختارة، يستحسنها أهل الفضل، ويستجيدها أولو الأدب؛ وديوان شعره يحتوي على أربع مجلدات؛ منها مجلد استفرغه في مدح أهل البيت- صلوات الله عليهم- ومجلد أفرده في صاحب الجزيرة معز الدين سنجرشاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آنقنسر، ومجلدان في ضروبٍ من الشعر مختلفة الأوصاف؛ وهذه الأبيات: [من الطويل]

تمرد لما كان في الحسن أمردًا ... فلما تبدى الشعر في وجهه هدا

[أتاني بوجه الإعتذار من الجفا ... وقد خشن الخد العذار وكدرا]

وأظهر وصلًا بعد ما كان جافيًا ... ولان وأرضى بعد ما جار واعتدى

وسود منه الشعر ما كان أبيضًا ... وبيض مني الدهر ما كان أسودا

وقال: سلام، قلت: لا مرحبًا بمن ... أتاني لما قلت: روحي لك الفدا

ولم يرض بي عبدًا وأصبح يرتضي ... على الرغم منه عبد عبدي سيدًا

وأبعدته لما دنا في الهوى كما ... تدانيت منه قبل ذاك فأبعدا

وأشفيت منه الحاسدين كما جفا ... وأشمت بي الواشين في الحب والعدا

وقلت له: تالله إنك ميت ... وإن اللحى للمرد رائدة الردى

فصبح الجبين الصلت قد ضل مظلمًا ... وسيف سنى جفنيك قد عاد مغمدًا

وهذا شقيق الخد قد حال لونه ... وعاد يبيسًا بعد ما طله الندى

وريقك أضحى آسن الطعم مالحًا ... وقد كان قبل اليوم عذبًا مبردًا

ونكهتك المسكينة النشر أذفرت ... وأنتن رياها الذكي وأفسدا

وساقاك لا تبقى من الشعر آنفًا ... ولو خضت مع بلقيس صرحًا ممردًا

فقطب من قولي وأطرق مفكرًا ... وصعد أنفاس الأسى وتنهدا

<<  <  ج: ص:  >  >>