للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحازها، وعرق حقيقتها ومجازها. به ختم ديوان الإنشاء وإليه انتهت صناعة الترسل، فهو شيخ الكتّاب ورئيسهم، وإمام البلغاء ونفيسهم، وبقية الزمان في وقته، ونقّاد الشعر ومعرفة جيّده من رديئه، وصحيحه من سقيمه.

اشتهرت بين الناس فضائله وسارت في الآفاق رسائله، وصنّف مصنفات جميلةَ مفيدةً جيدةً في علمي المعاني والبيان، وأنشأ رسائل أودعها أبكار معانٍ مخترعة أفرد لهن منها كتابًا، وسيأتي ذكر مصنفاته في موضعها من الكتاب- إن شاء الله تعالى-.

وفارق الجزيرة مسقط رأسه في رجب سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وقدم/٢٨ ب/ الموصل. وأقام بها في خدمة الأمير مجاهد الدين أبي منصور قايماز بن عبد الله الزيني- رضي الله عنه- وربما كان يكتب له الإنشاء.

ثم سافر إلى الشام في ربيع الأوّل سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فوصله القاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم بن علي البيساني بخدمة السلطان الملك الناصر صلاح الدين أبي المظفر يوسف بن أيوب- رحمه الله تعالى- في جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين- وأقام عنده إلى شوال من السنة.

ثم طلبه ولده الملك الأفضل نور الدين أبو الحسن علي فخيّره الملك الناصر بين المقام في خدمته وبين المضي إلى ولده، وقال له: إذا اتصلت بولدي فالذي قررناه لك باقٍ عليك. فاتصل بالملك الأفضل في شوال من السنة المذكورة، فتولَّى وزارته وكتابته، وعلّق به جميع أموره، فلما توفي الملك الناصر استقلّ بوزارة ممالكه جميعها، فجمع بين تدبيري السيف والقلم.

وكانت إليه الوزارة وكتابة الإنشاء /٢٧ أ/ فلم يزل معه على تصرفات أموره، إلى أن انتزع الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب دمشق من الأفضل، فأخرج الملك العادل أبا الفتح منهما في صندوق مقفل عليه خوفًا من العامّة لئلا يهلكوه [لما] في نفوسهم من ظلمه وحماقته وما عاملهم به من قبيح الفعال، لأنه كان- لما تولّى عليهم- غير محمود الطريقة، ولا مرضي السيرة.

وأقام بسميساط فاستأذن الملك الأفضل في الانصراف إلى وطنه فأذن له فانفصل عنه في ذي القعدة سنة سبع وستمائة.

<<  <  ج: ص:  >  >>