للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

/٣٣ ب/ "تضوعَّعتْ نفحهٌ من تلقاء المجلس السامي؛ رعى الله عهده وسقاه, وصان ودّه ووفاه , ويسّر لي إلقاء العصا بلقاه. فعطرت الطريق التي سايرتها , والريح التي جاورتها, وأتت فأفرشتها خدّي , وضممتُ عليه ودّي , وجعلتها ردعٌا لجنبي , وَلَطْيمَة ً لدرني , وسخاًبا لعقدي.

وعملت أنها ليست بنفحة طيب , ولَكنها كتاب حبَيب , فإنَ مناشق الأرواح غير مناشق الأجسام , ولا يستوي عَرْفُ الطِّيبِ وَعَرْف الأقلام.

ثم مددت يدي إلى الكتاب , وبعد أنْ صافحت يد موصله كما صافحت عبقة مندَله , وقلتُ. أهلاَ بمن أدنى من الحبيب مزاراً , وأهدى لعيني قرّةً ولقلبي قرارا , ولو أنصفت لقلت. أهلاً بمن سرى في الأسرار , وجرى من الأبصار مجرى الأنوار , وجمع لي برويته بين الأوطان والأوطار. ومع هذا القول فإني لم اُؤد حقّ الترحيب بمن أسعف بالطِّلاب , وطلع على الآمال المًمحلة طلوع السحاب.

وإذا كان هذا الحامل الكتاب , فما ظنُّك بالكتاب؟ ! ولمَّا وقفت عليه , أحدث لي نشوة /٣٤ أ/ طرب , ونشوة أرب. فغنَّتني هذه بترجيع مثانيها وأعنتني هذه بمعسول أمانيها؛ وعند أخذت في خلع العذار , وسكرت من غير معاقرة. وإنَّ من البيان لخمراً يسكر من غير تحَريم , وليست بذات لغو ولا تأثيم؛ فهي من سُلاف الألباب , لا سلاف الأعناب , ومن بنات الخواطر , لا بنات الدساكر. ولا يجلبها من معدنها , ويرخصها على غلاء ثمنها إلاَّ البيان الفلاني الذي يستخرجها ويخرجًها , ويصرفها ويمزجها.

وإنّي لأجدُ لخمرة ألفاظه طعاماً زائداً على الطعم , وليس ذلك لطيب العصر ولا عتق الكرم: [من الكامل]

<<  <  ج: ص:  >  >>