ومن كتاب كتبه عن نفسه إلى بعض الأصدقاء ابتداءً: ... من الكامل
وَأقَمتَ في قَلبي وَشَخصُكَ سَاَئر ... لا تَبعُدَن من ظاعنٍ وَمُقٍيمِ
أصدتُ هذا الكتاب إلى مجلس فلان الدين , أعلاه الله وأسماه , وصان من عيِر الليالي والأيام حماه , وأبعد في اكتساب العلياء مرماه , ولا جعله في الَعمل لآخرته ممن يستوي يوماه؛ عن قلب مأنوس بلقائه , وطرف مستوحش لفراقه. فهذا مروّع بإظلامه , وذاك ممتّع بإشراقه غير أن لقاء القلوب لقاء غيب تمثله خواطَر الأفكار , وتتناجى به من وراء الأستار وذلك أخو الطيف الملم في المنام , والذي يموّه بلقاء الأرواح على لقاء الأجسام. وما تمثله بنقع حرّ الأشواق /٣٥ ب/ الظماء , ولكنَّه تعلّهَ المتيمِّم بالصعيد عن عدم الماء , ولئن أقمت بعده في دار زطن , وفي أهل وسكن؛ فليس الانس بكثرة الناس , بل ببهجة الإيناس , وإذا لم تكن سكّان القلوب سكان الديار , فلا فرق بينهما وإن كانت آهلة وبين القفار: من الطويل
وما حاجِر
إلاَّ بلَيلَي وَاهلهَا ... إذا لَم تَكُن لَيلَى فَلاَ كَانَ حَاجِرُ
فمن جفَّت على النوى شُؤُنُهُ, والتقت على البين جفونه , فإنَّ عهده ذميم , وودّه سقسم. وأرى المنزل وهي جماد أرعى منه ذماما , وأخلق بالمحافظة ليالي وأياما. ألا ترى أنهَّا لا ترضى في غرامها إلآ سقامها ولا تقنع في وفائها إلآ بعفة .... ؛ فتباً لشوقي إن رقت عنه قساوة الأحجار وزادت بإثرها على ما عنده من الآثار.
وإني لأخجل من هذا القول , وقد وجدتُ على مصطبراً , ولم يذهب إلى الفراق سمعاً ولا بصراً , ولكن يقوم عُذري في ذلك بأمل اللقاء , الذي يمدّ غرس الحياة بالأسقاء , ولا يمسك ذماء النفس كالأماني ومواهبها , والآمال ومطالبها.
وأنا أرجم /٣٦ أ/ أ، يتاح لأيّام الاجتماع يوم معادها , وتردّ أروحها إلى أجسادها , لأخاصم أيام الفراق إلى رّبها , وآخذ منها