للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل أسمر طويل قصيف مكتهل يخضب بالسواد، يتشتيع من أبناء الجند، ومن بيت مذكو قديم؛ وهو جندي في خدمة الملك الرحيم أتابك بدر الدين أبي الفضائل- أعز الله نصره-.

صحب الشيخ أبا حفص عمر بن أحمد النحوي الضري ودرس عليه فنون الآداب؛ كالنحو واللغة والعروض والقوافي؛ وغير ذلك حتى انفرد على أقرائه، وتقدّم عليهم حينئذ بهذه الفضائل. وهو مع ذلك يعرف علومًا أخر من حل التراجم والنجوم والطب والوقف والحساب.

وصنّف كتابًا في العروض سمّاه "الهادي" ونظم أرجوزة في الباه؛ وله شعر عجيب القوافي، أتى فيه بالمعجز البديع.

أخبرني أنه ولد آخر النهار يوم الثلاثاء سادس جمادي الآخرة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بالموصل. وكان قد سيّره بدر الدين لؤلؤ- صاحب الموصل- ليكون له بها صاحب /٢٤٢ أ/ خبر من جهة التتار الملاعين- خذلهم الله تعالى- فبقي بها مدّة يطالعه بأخبارهم فيها؛ فلما دخل التتار المدينة استشهد في جملة من كان بها تحت قلعتها في شهر شوال سنة أربع وثلاثين وستمائة.

أنشدني لنفسه هذه الأبيات بحوزان، يكون حرف رويّها وقافيتها أن تنشد مطلقة ومقيدة، ويجوز أن يكون حرف إطلاقها واوًا ويجوز أن يكون ياءً ويجوز أن يكون ألفًا، وهي بديعة في فنّها صنعها على أسلوب أبيات أبي الفتح البلطي الذي يقول في أوّلها:

إنِّي إمرءٌ لا يطَّبيني ... الشَّادن الحسن القوام ما

وقصيدة أبي يعقوب أولها: [من المتقارب]

إلى م ألام على الغانيات ... وكم لي على صبوتي عاذل لا

فهلَّا غنيت بين ثناء فتًى ... لم يزل جوده شامل لا

أمينٌ هو الرُّوح في نسله ... جوادٌ لمن جاءه آمل لا

كريمٌ يعمُّك قبل السُّوال ... عطاياه والمسعف السَّائل لا

كميٌّ ليوث الشَّرى تتَّقيه ... على الصِّيد صائلةً صائل لا

/٢٤٢ ب/ بليغٌ إذا أفحم النَّاطقون ... لما شاء من حكمةٍ قائل لا

<<  <  ج: ص:  >  >>