للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان قليلاً ما يفتقر إلى تسديد وتثقيف لما فيه من الهمة واليقظة، وكان يقرأ في كلّ مجلس جزءًا قوامه عشرون قائمة، في كل صفحة سبعة وعشرون سطرًا وكل سطر لا يخلو من عشرين كلمة، يهذّ ذلك هذًا فإذا أتاه ما يشكل عليه معناه وإعرابه ولفظه، توقف، وتفهم، وحشاه على هامش الكتاب، بخط ابن العصار، وأثبته بخطه في ورقة.

وكان في كل يوم على الدوام مستمرًا على القراءة، فانقطع يومًا لغيث هطل، فأرسل الزعيم بالاستيحاش له، فلما جاء من الغد، كتب إليه بديهًا: [من المتقارب]

/ ١٣٩ ب/ لسيل الغيوث ودرِّ السُّحب ... قطعت المجيء اعتماد الأدب

وأخَّرت ذلك في أمسنا ... وبكَّرت يومًا لما قد وجب

فأحضر [عبد الله] وقرأ، ولم يزل على ذلك حتى دخل شهر الصيام، واستوعبت بطالته من القراءة عشر أيام، وابن حنيفة لا يحضر، وإذا روسل بأعوان زعيم الدين، يعتذر، فحضر عبد الله عند الزعيم، وأنشده أبياتًا على سبيل الدعابة، منها:

[من المتقارب]

تقارب من شهرنا نصفه ... وابن حنيفة ما يحضر

وفي كلِّ يوم يصدُّ الغلام ... ويعرض عنه ويستعذر

يقول كبير وهذا الصِّيام ... فلا يد فيه لمن يفطر

وثمَّة لحم فمن أين لي ... فحيلي إذا لم يكن، مدبر

فدَّبره العبد في أمره ... بأشياء فيها الذي يؤثر

يكون نزيلي فإنِّي به ... عن الخلِّ والبقل ما أقصر

وعندي قصبان في خلِّه ... غريق كثير ومستعزر

وإن شاء ريحان أخلق به ... يضاهيه في طعمه السكَّر

وإن شاء كامخنا بالكشوك ... وإن شا فكا مخنا الأحمر

/ ١٤٠ أ/ وفي هرطمان لنا رونق ... وماش وسلق لنا أخضر

كان زعيم الدين، شريف النفس، هشا إلى المكارم.

<<  <  ج: ص:  >  >>