وجده سعيد بن العباس بن سعيد هو أخو أبي موسى محمد بن العباس بن سعيد، كان الأمير المستولي على حلب وأعمالها في زمن أحمد بن طولون، وقد امتدحه أبو عبادة البحتري بالقصيدة السينية التي أولها:
(أقام كل ملث الودق رجاس"
وهي من فرائد قصائده وأشهرها، وأبو القاسم أخبرني بحلب المحروسة أنه ولد ببزاعا في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع الحديث الكثير بحلب، ودمشق، وبيت المقدس، والموصل، وحرّان، ومكة –حرسها الله تعالى- والمدينة، وبغداد، من أصحاب أبي الوقت، وحفظ القرآن الكريم، ودرس فقه الإمام الشافعي على الشيخ فخر الدين بن عساكر الدمشقي، حتى أتقن معرفته دراسة وفهمًا، وقرأ الخلاف والأصول، وتولى القضاء ببزاعا في سنة إحدى عشرة وستمائة، وأقام بها أيامًا قلائل، ثم عزل نفسه منها، ثم قدم حلب، وتولى الحسبة بظاهرها بالحاضر السليماني من سنة أربع وعشرين وستمائة، وكفّ بصره في سنة ثلاث وثلاثين وستمائه، ولم يعزل عنها، ثم أقام نائبًا عوضه في الحسبة، ثم رتِّب معيد درس الإمام عماد الدين أبي المجد إسماعيل بن هبة الله بن سعيد بن باطيش الفقيه المدرس الموصلي، بالمدرسة النورية المعروفة بالعِّزيَّة، ويختلف إليه جماعة من الفقهاء يشتغلون عليه، وهو رجل قصير، أشيب، ضرير، عالم فاضل، شاطر مناظر، له أشعار، أنشدني منها، وأنا سألته ذلك، وزعم أنه [قال] ذلك ارتجالًا:
ندبت إلى نظم القريض تأسِّيا ... بأهل النُّهى والعلم والجود والفضل
فقلت ارتجالًا ليس لي رتبة النُّهى ... ولا لي شعر يجتنيه أخو النِّقل