وكم كسر الأبطال لا بمثقَّفٍ ... ولا بالسيُّوف المرهفات البواتر
ولكن بسحرٍ في الجفون كمينه ... بياض خدودٍ لا بياض خناجر
وأنشدني لنفسه وقد ودّع أهله وصديقًا، فبكى عند ذلك: [من الطويل]
ترحَّلت عن صحبي وقلبي لديهم ... رهينٌ ونار الشَّوق في القلب تلذع
وودَّعت صفو العيش عند وداعهم ... فلا عضو إلَّا وهو منِّي مجدَّع
أينكر هذا أو ألام على البكا ... وقلبي من فرط الصَّبابة موجع؟
وأعظم من هذا الذي قد ذكرته ... فراق فلان الدين والعين تدمع
وأنشدني لنفسه وقد طلب منه بعض أصحاب الأمير أمين الدين أبي المكارم لؤلؤ بن عبد الله البدري، أن يعرِّض بذكره عند الأمير، وكان الأمير قد وعد ذلك الشخص أن يزوجه، فنظم هذه الأبيات في المعنى المقترح عليه: [من الطويل]
أمالك رقِّي من له النَّهي والأمر ... ومن نطقه درٌّ وإنعامه بحر
ومن هو كهفٌ للعفاة وملجأٌ ... إذا نابهم خطبٌ ومال بهم دهر
تصدَّق على المملوك واسمع مقاله ... فأنت الذي يسمو به النَّظم والنَّثر
عبيدك يرجو منك إنجاز وعده ... فليس له عمّا وعدت به صبر
ولا يرتجي إلَّا سماحك شافعًا ... ليشفعه إذ قد أضرَّ به الوتر
وأنشدني لنفسه جوابٍ كتاب، ورد من صديق له: [من الكامل]
وصل الكتاب فمرحبًا بوصوله ... فنفى هموم القلب عند حلوله
وقرأته فوجدت فيه فصاحةً ... تزري على قسٍّ بحسن فصوله
واشتقت كاتبه فصار مصون ما ... ء العين حين قرأت من مبذوله
وأنشدني لنفسه: [من الطويل]
وما كنت أرجو من عدوٍّ إذا جرت ... نوىً بيننا نجفو فكيف من الخلِّ
فإن يكن التَّقصير منِّي فتائبٌ ... إليه وإلَّا فهو في أوسع الحلِّ
وأنشدني قوله: [من الطويل]
وحقّ عهودٍ بيننا ما تأخَّرت ... مكاتبتي عنكم ملالًا ولا جفا
ولكنَّ شوقي حين أشرحه لكم ... لهيبٌ ونارٌ والفراق قد انتفى