وأنشدني أيضًا قال: أنشدني لنفسه أبياتًا عملها في طريق مكة، وقد حجَّ من العراق في سنة ثلاث وستمائة، وحجَ في تلك السنة صدر جهان وكانت الوقفة الجمعة، وهلك من الحاج خلق كثير من العطش، ولا سيَّما في منزلة به تسمى العسيلة: [من مجزوء الكامل]
يا سائلي عمّا جرى ... إنِّي اختصرت لك العبارة
إنَّ العسيلة أصبحت ... فينا حلاوتها مرارة
وكذا النُّقيرة قبلها ... عدم الفتى فيها قرارة
كم من شبابٍ شاحبٍ ... بعد الملاحة والنّضارة
أضحى بقفرٍ عادمًا ... فيه أقاربه وجاره
مستوطنًا بمفازةٍ ... وفراشه فيها الحجارة
لا ليله ندري به ... عند الظَّلام ولا نهاره
ولكم رأى من يستجيـ ... ـر به ولكن ما اجاره
ترك النِّساء أراملًا ... وجفا لسفرته دياره
كم من وقورٍ عادمٍ ... بالموت بينهم وقاره
متوسِّد يمناه فو ... ق جبينه ألقى يساره
كم مرضعٍ ورضيعها ... تومي إلينا بالإشارة
من ذا يبرِّد غلَّتي ... بالماء يربح بالتِّجارة؟
كم مترفٍ ومنَّعمٍ ... والرمل قد أضحى دثاره
كم مات منهم جالسٌ ... بين الحجارة والمحارة
كم من وجوهٍ سوِّدت ... من قبل كانت مستشارة
كم من قطارٍ مات والـ ... ـجمَّال متَّبعٌ قطاره
وجميعهم صرعى كأنَّ ... السُّكر ألأبسهم خماره
وأتاهم البيت الحرا ... م إلى العسيلة للزِّيارة
إنَّ الملائكة الكرا ... م أتت إليهم بالبشارة