للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنشاء الرسائل –وهب الغالب كانت عليه- وقرض الشعر، وكان ذا روية جيدة، وبديهة حاضرة، سريع الحفظ، يرجع إلى سماعه.

حدثني القاضي الإمام أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة الحلبي –أبقاه الله تعالى- قال: /٩٤ أ/ وصل أبو المظفر عبد الباقي بن محمد بن أبي يعلى [من] الموصل إلى حلب في سنة إحدى وستمائة، وخدم الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب –رحمه الله تعالى- مستوفياً في الديوان، وكان ابن أبي يعلى يتوصل إلى الملك الظاهر يجمع الأموال، ويظلم له الناس، ويفتح له أبواباً يحمله على التعدّي على الرعية، ارتفع مكانه عنده، وعظم محله، إلى أن تفرد بأمر الديوان، وكان الوزير نظام الدين محمد بن الحسين –صاحب سر الملك الظاهر والمتمكن عنده- وكان يحسّن للملك خلاف ذلك من الإحسان إلى الرعية، وكفّ أيدي الظلمة، واحترام الأكابر، فاتفق موته، فقوي أمر ابن أبي يعلى بعده، ونفي شرف الدين ابن الحصين متولي ديوان الإنشاء، وصار بين [إبن] أبي يعلى وبينه عداوة في الباطن إلى أن مات ابن الحصين، فاستفحل أمر ابن أبي يعلى، وعظم شانه واستقلّ بالأمور كلها، ونظر في جميع أعمال الدولة، وأضاف الملك الظاهر إليه ديوان الإنشاء، ولم يزل كذلك إلى أن مرض الملك الظاهر، مرض موته، وأوصى بالملك بعده لولده الملك العزيز محمد ثم /٩٤ ب/ بعده للملك الصالح، وأن يكون الوزير ابن أبي يعلى على ما هو عليه، في خدمة ولده الملك العزيز، واستوثق ابن أبي يعلى من الأمراء بالأيمان على ذلك، وحدثته نفسه بأشياء انعكست عليه بعد ذلك.

كان الملك الظاهر لما مات جعل إبن أبي يعلى يظهر التيه العظيم الزائد والجبروت، ويأخذ نفسه بأمور الملك، ويكلّم الأمراء بكلام خشن؛ إنّ أتابك طغرل، سرّ إليه في أمر؛ فقال: وهو أيش هو خازن وليس له كلام في أمر الدولة؟

وقال للأمير سيف الدين بن أبي قليج في كلام جرى بينهما في تدبير أمر الملك: أيش هذه الصبيانية؟ حتى همّ به الأمراء.

وكان يمضي ويجلس في دار العدل، مكان السلطان ويقول: اطلبوا الحاكم –يعني القاصي بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم قاضي القضاة- ويكتب له

<<  <  ج: ص:  >  >>