وكم ليلةٍ فاوضته أن يلمّ بي ... إذا ما هدا ليلي فعنّ وما عتّى
بكيت فناداني: أتبكى وبيننا ... بحكم التّداني قاب قوسين أو أدنى
/١٠٢ أ/ فقلت كذا كنّا بمنعرج اللّوى ... ولكنّنا من بعد ذاك تفرّقنا
رأيت بفيه إذ تبسّم أدمعاً ... فقلت رنا لي إذ بكى فمه حزناً
أجاد له في النّظم شاعر ثغره ... ولكنّه من مقلتي سرق المعنى
ومنها في المديح:
إذا رعدت خيلٌ لبرق سيوفه ... غدا الوبل نبلاً والقسيّ لها دجنا
إذا امطرت أرض الوعى من عداته ... جماجم ريحان ببيض الظّبى تجنى
تأمّل إذا ما جئته لملمّة ... ترى اليسر في اليسرى كما اليمن في اليمنى
تظن بها من كثرة اللّثم حمرةً ... وحاشا اليد البيضاء من أثر الحنّا
وقال أيضاً:
أرى الخج تبدي ناره جنةّ خضرا ... اسطري به أم خطّ من صدغه سطرا
عجبت له خدّاً تورّد خجلةً ... يريك بياض الصّدغ فيه الدّجى ظهرا
ترى كحل الأجفان ذاب بدمعه ... الدّلال فخلناه على متنه شعرا
ومعسول ظلم الرّيق ظالم صبّه ... على أنّه للهجر أعدل من كسرى
رفعت له من دمع عينى ظلامةً ... أروم بها عطفاً فوقّع لي تجرى
يقول وقد غال البكا مقلتي: قف ... لتنظر قلت: اشهد فلي مقلةٌ أخرى
/١٠٢ ب/ أمكسور ذاك الجفن جد بتعطّف ... لمكسور هذا القلب واهدله جبرا
أيا قيصري الخدّ والثّغر والطّلى ... ويا قاصر الألحاظ ملّكتني قسرا
رعى الله أيّاماً جنيت بها المنى ... تقضّت وما أبقت لقلبي سوى الذّكرى
ليالي سقاني الرّاح فيها بمنطقً ... أصار سقام اللّحظ من طرفه خصرا
تلألأ لي في غيهب الشّعر وجهه ... فخيّلت أنّ الليل أبدى لنا البدرا
وأبرز من خدر الدّنان خبيئةً ... ولا غرو أن تسبى أن تحجب العذرا
وأنكحها الماء النّقاخ فأصبح ... النّثار عليها من حباب الحيا درّوا
وجاد بها عنّا وجاد بريقه ... فملنا كما مال القضيب به سكرا
شممنا وقد رام الغناء ولم يفه ... شذاً لم تلذّ النّفس من دونه عطرا