[الباب الثامن عشر: في أن الشخص لا يستغني عن الصبر لا في المصيبة ولا في غيرها]
اعلم ـ رحمك الله ـ أن الشخص البالغ العاقل المسلم، ما دام في دار التكليف، والأقلام جارية عليه، لا يستغني عن الصبر في حالة من الأحوال، فإنه بين أمر يجب عليه امتثاله، والصبر لا بد منه قولاً وفعلاً، وبين نهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما، وبين نعمة يجب عليه شكر المنعم عليها والصبر عليه، وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه، فالصبر لا زم له إلى الممات.
فإن قيل: النعم يجب الصبر عليه؟
قيل: نعم، لأنها من الابتلاء، كما قال تعالى:{فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن} وقال تعالى: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} ، وفي الآية الأخرى:{وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن * كلا} أي ليس الأمر كذلك، وإنما الله تعالى يبتلي عباده بالغنى والفقر، فينظر من هو المجاهد الشاكر الصابر على ما ابتلاه به، كما يبتلي عباده بالمصائب والأسقام تطهيراً لهم من الذنوب والآثام.