وليعلم المصاب أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها، وهوفي الحقيقة يزيد في مصيبته، بل يعلم المصاب أن الجذع يشمت عدوه، ويسوء صديقه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه.
وإذا صبر واحتسب أخزى شيطانه، وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات في الأمر الديني، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر» .
فهذا هو الكمال الأعظم، لا لطم الخدود وشق الجيوب، والدعاء بالويل والثبور، والتسخط على المقدور.
قال بعض الحكماء: العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام، ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم، يريد بذلك ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنما الصبر عند الصدمة الأولى» .
وقال الأشعث بن قيس: إنك إن صبرت إيماناً واحتساباً، وإلا سلوت كما تسلو البهائم.
بل يعلم المصاب أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه، بل يكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه على مصيبته، فلينظر أي المصيبتين أعظم، مصيبته العاجلة بفوات محبوبه، أو مصيبته بفات بيت الحمد في جنة الخلد؟
و «في الترمذي مرفوعاً: يود ناس لو أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء» .
وليعلم المصاب الجازع، وإن بلغ به الجزع غايته ونهايته، فآخر أمره علىصبر الاضطرار، وهو غير محمود، ولا مثاب عليه، فإنه استسلم للصبر وانقاد إليه على