وقال عمر بن عبد العزيز ـ رحمة الله عليه ـ لبعض جلسائه: يا فلان، لقد أرقت البارحة تفكيراً بالقبر وساكنه، إنك لو رأيت الميت بعد ثلاث ليال في قبره، لاستوحشت منه بعد طول الأنس به، ولرأيت بيتاً تجول الهوام فيه، ويجري فيه الصديد، وتخرقه الديدان، مع تغير الريح وتقطع الأكفان، وكان ذلك بعد حسن الهيئة وطيب الريح، ونقاء الثوب.
ثم شهق شهقة خر مغشياً عليه.
وقال بعض الحكماء: أربعة أبحر لأربع: الموت بحر الحياة، والنفس بحر الشهوات، والقبر بحر الندامات، وعفو الله بحر الخطيئات، فنسأل الله العظيم أن يجعل الله القبر خير بيت نعمره ونسكنه!
[فصل ـ في عدم استطاعة التمييز بين السعيد والشقي في القبر]
واعلم، أنه لو دخل شخص إلى المقابر المزخرفة، ليميز السعيد من الشقي، ما علم هذا من هذا، وما يعلمه إلا علام الغيوب، بل قد يكون قبراً من القبور قد درست أعلامه، وقد بقي ممشى للدولاب، وصاحبه في أعلى الجنان، وقد يكون قبراً مزخرفاً، وقد عليت عليه القباب والبشخانات الحرير، وصاحبه في نار جهنم، بل نقول: لو دخل الشيخ المقابر، لم يميز قبر الذكر من الأنثى، ولا الشيخ من الشاب، ولا الحر من العبد، فإذا كان هذا التمييز الذي يمكن الشخص العاقل أن يميز بين هؤلاء في الحياة الدنيا، قد أبهم علينا بعد الموت، فكيف نميز السعيد من الشقي؟ ويشبه هذا ما روي، أن الإسكندر مر بمدينة قد ملكها عدة ملوك، وبادوا، فقال الإسكندر: هل بقي من نسل أولئك الملوك، أحد؟ فقيل: ما بقي منهم إلا رجل واحد يأوي المقابر، فدعا به، فلما أحضره قال له: ما حملك على لزوم المقابر؟ قال: أردت أن أميز عظام الملوك من عظام عبيدهم، فوجدت الكل سواء.
قال له الإسكندر: هل لك أن تتبعني، فأجيز لك بشرف آبائك، إن كانت