[الباب التاسع: في أن الصبر من أشق الأشياء على النفوس]
وهذا الباب ينقسم فيه الصبر إلى قسمين:
أحدهما ـ بحسب قوة الداعي إلى الفعل.
الثاني ـ بسهولته على العبد.
فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق، وإن فقدا ـ معاً ـ يعني قوة الداعي وسهولته ـ سهل الصبر عنه، وإن وجد أحدهما وفقد الآخر سهل الصبر من وجه دون آخر، فمن لا داعي له إلى قتل النفس والسرقة وشرب الخمر وأكل الحشيشة وأنواع الفواحش، ولا هو سهل عليه، فصبره عنه من أيسر شيء وأسهله، ومن اشتد داعيه إلى ذلك، وسهل عليه فعله، فصبره عنه أشق شيء عليه، ولهذا كان صبر السلطان عن الظلم، وصبر الشباب عن الفاحشة، وصبر الغني عن تناول اللذات والشهوات، منزلتهم عند الله منزلة عظيمة عالية منيعة، لا يصل إليها إلا من صبر مثل صبرهم، وكذلك من صبر على موت أولاده وأبويه وأقاربه وأصحابه ونحوهم، وهو مع ذلك صابر محتسب، يأمر أهله بالصبر، وينهاهم عن لطم الخدود وشق الجيوب، وعن كلام ما لا يجوز لهم شرعاً، هذا له من الثواب الجزيل، والأجر العظيم، ما لا يعلمه إلا الله، فالعبد، إذا ذاق لذة المعصية، ثم تاب وصبر عنها، كانت توبته توبة صادقة.
ولقد بلغني عمن أعرفه، أنه تاب عن الخمر، وحلف بالطلاق لا يشربه، ثم إنه خالع، وشرب.
ولقد رأيت جماعة منهم، ممن حلف بالطلاق الثلاث، لا يلعب بالشنطرنج وتاب منه، ومع ذلك يعلم أن أكثر العلماء قالوا بتحريمه، وإنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وأنه يحصل عليه من الحلف الكاذبه والفحش ما هو معروف مشهور،