الذي أذهب إليه خير من مكاني، قال: فلما وصل كتابه، صنعت طعاماً، وجمعت الناس، وقالت: لا يأكل هذا من أصيب بمصيبة، فلم يأكلوا، فعلمت ما أراد، فقالت: من يبلغك عني أنك وعظتني فاتعظت، وعزيتني فتعزيت، فعليك السلام حياً وميتاً.
فإذا علم المصاب أنه لو فتش العالم، لم ير فيهم إلا مبتلى، إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، فسرور الدنيا أحلام نوم، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلا أبكت كثيراً، وإن سرت يوماً ساءت دهراً، وإن متعت قليلاً منعت طويلاً، وما ملأت داراً حبرةً إلا ملأتها عبرةً وما حصلت للشخص في يوم سروراً، إلا خبأت له في يوم شروراً.
قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: لكل فرحة ترحة، وما ملىء بيت فرحاً إلا ملىء ترحاً.
وقال ابن سيرين: ما كان ضحك قط إلا كان بعده بكاء.
فليعلم العبد أن فوت ثواب الصبر والتسليم هو الصلاة والرحمة والهداية في قوله تعالى:{إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} .
وقد تقدم ذلك، فما ضمنه الله على الصبر والاسترجاع، أعظم من المصيبة في الحقيقة، والله أعلم.
[فصل ـ في أن مرارة الدنيا هي حلاوة في الآخرة]
ومن تسلية أهل المصائب: أن ينظر العبد بعين بصيرته، فيعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة في الآخرة، يقبلها الله تعالى، وحلاوة الدنيا هي بعينها مرارة في الآخرة، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة، خير من عكس ذلك، فإن خفي عليك ذلك فانظر إلى قول الصادق المصدوق، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» ، وكذلك قوله في الصحيح: