للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عجلان، ثنا سالم بن عمير، عن سالم الهلالي، فذكره.

وليحذر العبد أيضاً أن يدعو على نفسه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما مات أبو سلمة: «لاتدعوا على أنفسكم إلا بخير،

فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون» .

وليعلم أيضاً أن البكاء يضر الحي والميت، فإن الحي يخاف على عينيه، كما قال الله تعالى في قصة يعقوب ـ عليه السلام ـ: {وابيضت عيناه من الحزن} ، والميت لا يستريح به، فقد ذكر الحافظ أبو شجاع شيرويه الديلمي بإسناده، عن علي بن الحسين، قال بينا داود الطائي جالساً مع أصحابه يوماً، إذ غفا وهو معهم، ثم انتبه، فقال: أتدرون ما رأيت في نومتي هذه؟ دخلت الجنة، فرأيت فيها صبياناً يلهون بالتفاح، يناول بعضهم بعضاً، وصبي ناحية عنهم جالس حزين يرى الانكسار عليه بيناً، فقلت: ما بال ذلك الصبي لا يلهو معكم كما تلهون؟ قالوا: ذاك حديث عهد بالدنيا، وأمه تكثر البكاء عليه، فانكساره لكثرة بكاء أمه عليه، قال: فقلت: أين منزلهم؟ قالوا في قبيلة آل فلان، قال: فقلت من أبواه؟ قالوا: فلان وفلانة، قلت: فما اسمه؟ قالوا: فلان.

فقال داود لأصحابه: فانطلقوا، قال: فانطلقوا فأتوا القبيلة، فسألوا عن أبويه، فلقيهما أو لقي أحدهما، فقال لهما ما رأى في منامه، فجعلت الأم على نفسها أن لا تبكي عليه أبداً.

[فصل ـ في البكاء والتأسف على من فرط في جانب الله تعالى]

والبكاء والأسف على من فرط في جنب الله، أو من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وهو داخل تحت المشيئة، وعنده من الندامة كامثال الجبال، ومن الحسرات كعدد الرمال، فإن الصحة لا يعرف مقدارها على الحقيقة إلا المرضى، كما أن العافية لا يعرف مقدارها إلا المبتلى، فكذلك الحياة لا يعرف مقدارها إلا الموتى لأنهم قد ظهرت لهم الأمور، وانكشفت لهم الحقائق، وعلموا مقدار الأعمال الصالحة، إذ ليس ينفق هنالك إلا عمل زكي، ولا يرتفع هناك إلا

<<  <   >  >>