وقال الفضيل بن عياش: علامة السعادة اليقين في القلب، والورع في الدنيا، والزهد في الدنيا، والحياء والعلم.
وقال الفضيل أيضاً: لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي حلالاً لا أحاسب بها في الآخرة، لكنت أتجنبها كما يتجنب أحدكم الجيفة ـ إذا مر بها ـ أن تصيب ثوبه.
وقال أبو الهاشم الزاهد: خلق الله الداء والدواء، فالداء الدنيا، والدواء تركها.
[فصل ـ في أن الدنيا دار ممر]
حضر بعض الرؤساء صلاة الجمعة، وبه مرض لا يحتمل معه تطويل الخطبة، فصعد الخطيب المنبر، فقال: الحمد لله رب العالمين، وصلواته على أشرف النبياء والمرسلين، أما بعد: فإن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر، فخذوا لمقركم من ممركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا الدنيا من قلوبكم، قبل أن تخرج منها أبدانكم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
فما أبلغ هذه الخطبة وأفصحها، وأوجزها! فعمر الدنيا والله قصير، وأغنى غني فيها فقير، وكأني بك في عرصة الموت وقد استنشقت ريح الغربة قبل الرحيل، ورأيت أثر اليتم في الولد قبل الفراق، فتيقظ إذن من رقدة الغفلة، وانتبه من السكرة، واقلع حب الدنيا من قلبك، فإن العبد إذا أغمض عينه وتولى، تمنى الإقالة فقيل كلا.
قال أبو عمران الجوني: مر سليمان بن داود عليهما السلام في موكبه، والطير تظله، والجن والإنس عن يمينه وشماله، قال: فمر عابد من عباد بني إسرائيل، فقال: والله يا ابن داود لقد آتاك الله ملكاً عظيماً! ! قال: فسمع سليمان كلمته فقال: تسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطي ابن داود، وما أعطي ابن داود يذهب، والتسبيحة تبقى.