وفي الأحاديث والآثار أكثر ورودها في الولد الذي لم يبلغ الحنث، ولكن الولد الصالح البالغ، أشد مصيبة من والديه، وأكثر حزناً وجزعاً، منهما على الولد الصغير، خصوصاً إذا كان قد برز في العلم، أو له بر وإحسان إلى والديه وأقاربه وأصحابه، أو له صفات جميلة وأفعال حميدة.
وأين يقع الولد الصغير موقع الكبير في النفع لوالديه ولغيرهما، إذا كان متصفاً بما ذكر؟ فهل يستريب عاقل أن الحزن عليه أشد؟ فكذلك أجره أعظم وأكثر.
فإن قيل: البالغ قد جرى عليه القلم وهو من المكلفين، فنهايته يخلص نفسه، يعتقها أو يوبقها.
قيل: الجزاء على الكبير إنما يحصل على الصبر على المصيبة والاسترجاع والحمدلة، بل هو داخل في «قول النبي صلى الله عليه وسلم: ادخل الجنة ثواب ما أخذ منك» .
وروى ابن منده، «من حديث ابن لهيعة، عن عبد الله بن هبيرة النسائي، عن حسان بن كريب، أن غلاماً منهم توفي بحمص فوجد عليه أبوه، فقال له حوشب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مثل ابنك: إن رجلاً من الصحابة كان له ابن قد أدرك، وكان يأتي مع أبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم توفي، فوجد عليه قريبا من ستة أيام ...
» الحديث، وهذا الحديث ذكر فيه أنه أدرك، وذكر فيه دخول الجنة ثواب ما أخذ منه، وقد تقدم من رواية الإمام أحمد، لكن لم يذكر في روايته أنه أدرك.
وقد روى الحافظ أبو القاسم بن عساكر بإسناده، «عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات له ابن أو ولد، سلم أو لم يسلم، رضي أو لم يرض، لم يكن له ثواب دون الجنة، وفي لفظ آخر: من مات له ابن، صبر أو لم يصبر، احتسب أو لم يحتسب، لم يكن له ثواب إلا الجنة» .