عداوة البغضاء والمجادلة، بل عداوة المحبة الصادة للآباء، عن الهجرة والجهاد وتعليم العلم، وغير ذلك من أعمال البر، هذا معنى ما ذكره العلامة ابن القيم.
فالمقصود: أنه من صبر في السراء عن المعصية، فقد أمن فتنة المال، فإنه قادر على فعل المعصية وبذل المال، فلهذا كان له الثواب الجزيل، والفضل العظيم، وكذلك من صبر على تربية الأولاد، وأذى بعض الزوجات، كان له الدرجات العاليات، فإنه ليس كل زوجة وولد منهم أذى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم} فإن: من، هنا للتبعيض باتفاق الناس، والمعنى: إن من الأزواج والأولاد عدواً، ليس المراد أن كل زوج وولد عدو، فإن هذا ليس هو مدلول اللفظ، وهو باطل في نفسه، فإنه سبحانه وتعالى قد قال عن عباد الرحمن: إنهم يقولون: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين} ، فسألوا الله أن يهب لهم من أزواجهم وأولادهم قرة أعين، فلو كان كل زوج وولد عدواً، لم يكن فيهم قرة أعين، فإن العدو لا يكون قرة عين، بل سخنة عين.
وأيضاً فإنه من المعلوم أن إسماعيل وإسحاق ابني إبراهيم، ويحيى بن زكريا وأمثالهم ليسوا أعداء.
وقول من قال: إنها زائدة غلط لوجوه:
أحدهما ـ أن مذهب سيبويه وجمهور أئمة النحاة: أنها لا تزاد في الإثبات، وإنما تزاد في النفي تحقيقاً لعموم النفي، لقوله تعالى:{وما من إله إلا الله} ، {وما من إله إلا إله واحد} ، {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} ونحو ذلك، فإنه لولا: من، لكان الكلام ظاهراً في العموم، فإنه يجوز أن يقول، ما رأيت رجلاً بل رأيت رجلين: فإذا أدخلت من، فقلت: ما رأيت من رجل، كان نعتاً في العموم، فلا يجوز أن يقال: ما رأيت من رجل بل رجلين، مع أن النكرة في سياق النفي العموم مطلقاً، لكن قد يكون نصاً.