دينه كالقابض على الجمر، فإن أجر من قام بإظهار هذا النور في هذه الظلمات لا يوصف وخطره لا يعرف هذا إذا عرفتموه أنتم من حيثية الأمر الشرعي الظاهر فهنا قوم عرفوه من حيثية أخرى من الأمر الباطن ومن يقوده إلى معرفة أسماء الله تعالى وصفاته وعظمة ذاته واتصال قلبه بأشعة أنوارها والاحتظاء من خصائصها وأعلى أذواقها ونفوذه من الظاهر إلى الباطن ومن الشهادة إلى الغيب ومن الغيب إلى الشهادة ومن عالم الخلق إلى عالم الأمر وغير ذلك مما لا يمكن شرحه في كتاب.
فشيخكم أيدكم الله تعالى عارف بذلك عارف بأحكام الله الشرعية، عارف بأحكامه القدرية، عارف بأحكام أسمائه وصفاته الذاتية، ومثل هذا العارف قد يبصر ببصيرته تنزل الأمر بين طبقات السماء والأرض كما قال تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الطلاق:١٢] .
فالناس يحسون بما يجري في عالم الشهادة، وهؤلاء بصائرهم شاخصة إلى الغيب، ينتظرون ما تجري به الأقدار، يشعرون بها أحيانًا عند تنزلها، فلا تهونوا أمر مثل هؤلاء في انبساطهم مع الخلق، واشتغال أوقاتهم بهم، فإنهم كما حكى عن الجنيد رحمه الله أنه قيل: له كم تنادى على الله تعالى بين الخلق؟ فقال: أنا أنادي على الخلق بين يدي الله.
فالله الله في حفظ الأدب معه، والانفعال لأوامره، وحفظ حرماته في الغيب والشهادة، وحب من أحبه، ومجانبة من أبغضه وتنقصه، ورد غيبته والانتصار له في الحق.