فقرة: ١٤٦٤) ، وله كتابٌ صنَّفهُ سمَّاه (إبطال الاستِحسان) هوَ ضِمنَ كتابِ (الأم)(٧/٢٩٣) ، ومن العلماءِ من قصدَ التَّلطُّف مع الحنفيَّةِ في مذهبِهم في هذه المسألةِ فادَّعى حملَ ذمِّ الشَّافعيِّ وشِدَّة إنكارِهِ على القولِ في الدِّين بمجرَّدِ الهوى، والحنفيَّةُ لم يُريدُوا ذلكَ بالاستحسانِ، ومنهُم من قال: إنَّما أنكرهُ الشَّافعيُّ من جهةِ اللَّفظِ مستقبِحًا أن يقول القائلُ: (اسْتحسِنُ) وينسُبُهُ للدِّينِ.
والاعتداءُ عن أهلِ العلمِ مطلوبٌ والذَّبُّ عنهُم واجبٌ، وإذا كان أصلُ استحسانِ الحنفيَّةِ يعودُ إلى الدَّليلِ، فالحُجَّةُ إذًا في الدَّليل لا فيما سمَوْهُ (استحسانًا) ممَّا حاروا في ضَبْطِه، إلاَّ أنَّ المقامَ يقتضي ذّبًّا عن الشَّافعيِّ رحمه الله، فإنه حين أبطلَ الاستِحسانَ كان قاصدًا به استِحسانَ الحنفيَّة، ومن طالعَ كلامَهُ في ذلكَ رآهُ واضحًا، وما كَانُوا في منأى عنهُ، بلْ كان خبيرًا بمذاهبِهم، فلم يكُن ليردَّ على صورَةٍ وهميَّةٍ لا حقيقةَ لها ليُحملَ كلامُهُ عليها، وأمَّا قولُ من قال:(إنَّ الشَّافعيَّ ومن وافقهُ إنَّما استَقْبحُوا لفظَ الاستِحسانِ) فهذا خطأٌ، فإنَّ الشَّافعيَّ وأحمدَ وكثيرًا من الأئمَّةِ استخْدَموا هذا اللَّفظَ في كلامهِمْ ومسائلِهم، وأصحابُهُم يذْكُرونَ نماذجَ في ذلكَ من عبارَاتِهمْ، فهُم أرفعُ من أن يكونُوا أنكرُوا (الاستِحسانَ) لمجرَّدِ اللَّفظِ.