جرى على ذلكَ العملُ في الصَّدرِ الأوَّلِ من غيرِ تفريقٍ، حيثُ وجدُوا في لُغتِهم ما يُسوِّعُه، وهو أن يُخاطِب النَّاسُ بصيغَةِ الذُّكورِ مع وُجودِ الإناثِ فيهِم تغليبًا، إمَّا للزِّيادَةِ في التَّكليفِ، وإمَّا للتَّقدُّمِ في جانبِ الرِّعايةِ والقِوامَةِ، أو لغيرِذلكَ، ومن ذلكَ قوله تعالى:{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}[التحريم ١٢] .
أمَّا ما احتجَّ به بعضُ الشَّافعيَّةِ من حديثِ أمِّ سلمَةَ رضي الله عنها قالتْ: قلتُ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ما لنَا لا نُذكرُ في القرآنِ كما يُذكرُ الرِّجالُ؟ قالتْ: فلمْ يرُعْني منهُ يومئذٍ إلاَّ ونِداؤُه على المِنبرِ، قالتْ: وأنا أُسرِّحُ شعري، فلفَفتُ شعري ثمَّ خرجْتُ إلى حُجرَةٍ من حُجرِ بيتي، فجعلتُ سمعِي عندَ الجريدِ، فإذا هوَ يقولُ على المنبرِ:((يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ الله يقولُ في كِتابهِ:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} إلى آخرِ الآيةِ {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب: ٣٥] [أخرجه أحمدُ والنِّسائي في ((التَّفسير)) بإسنادٍ صحيحٍ] ، فهذا ليسَ فيهِ اختصاصُ كلِّ جنسٍ بما وردَ بخُصوصِه لفظًا، إنَّما الَّذي فيه أنَّ الشَّرائِعَ تنزلُ في القرآنِ عادَةً بصيغَةِ التَّذكيرِ، وهوَ وجهُ إيرادِ أمِّ سلمَةَ، ففيهِ ما يوميءُ إلى أنَّها أرادَت الشَّرائِعَ للرِّجالِ والنِّساء.
٦ـ اللَّفظُ العامُّ بعد التَّخصيصِ يبقى عامًّا فيما لم يخُصَّ.