ومثالُه من السُّنَّةِ حديثُ أبي هريرَةَ رضي الله عنه قالَ: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ:((لا عَدوَى ولا صفرَ ولا هامَّةَ)) فقال أعرابيٌّ: يا رسول الله، فما بالُ إبلِي تكونُ في الرَّملِ كأنَّها الظِّباءُ، فيأتي البعيرُ الأجرَبُ فيدخُل بينهَا فيُجربُهَا، فقال:((فمن أعدَى الأوَّلَ؟)) [متفقٌ عليه] ، معَ قولهِ - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ أبي هريرةَ الآخرِ:((لاعدوى ولا طِيرةَ ولا هامَةَ ولا صفرَ، وفرَّ من المجذُومِ فِرَارَك من الأسدِ)) [علَّقهُ البُخاريُّ] .
دَلاَلةُ الحديثِ الأوَّلِ أنَّ كُلَّ شيءٍ بقدرٍ، وأنَّهُ لا يُعدَى شيءٌ شيئًا بنفسِهِ، وليسَ فيه نفيُ أسبابِ انتِقالِ المرضِ إذا وُجِدَ، والحديثُ الثَّاني دلَّ على اتِّقاءِ ما وُجِدَ فيه سببُ الإعداءِ من الأمراضِ، إذْ وجودُ السَّببِ يُهيِّءُ وُجودَ المُسبَّبِ ويُساعِدُ عليهِ، وإن كانَ لا يقعُ الإعداءُ إلاَّ بمشيئةِ الله عزَّوجلَّ، لِذا فإنَّهُ قد يقعَ وقدْ لا يقعْ، فجاءَ الأمرُ باتِّقائِهِ متناسِقًا مع أصْلِ هذهِ الشَّريعَةِ في الأخذِ بالأسبابِ، وهذا شبيهٌ بقولهِ - صلى الله عليه وسلم - في الطَّاعونِ:((إذا سمِعتُم بهِ بأرضٍ فلا تقدَمُوا عليهِ، وإذا وقعَ بأرضٍ وأنتُم بها فلا تخرُجوا فِرارًا منهُ)) [متفقٌ عليه] .
وهذِهِ صُورةٌ من التَّأويلِ المُحتملِ لإعمالِ الدَّليلينِ وعَدمِ إهمالِ أحدِهِمَا.
* حكمه:
السَّبيلُ لإزالَةِ الإشكالِ في النُّصُوصِ هو الاجتِهادُ، فعلَى المجتهدِ