فتقديرُ ضرورتِه أو حاجتِهِ يعودُ إلى ترجيحِ أخفِّ المفسدَتينِ، فنظرَ فوجَد في السِّجنِ بلاءً يخافُ منهُ على دينِه من خِلطَةِ السُّفهاء، أو على زوجةٍ أو ذُرِّيَةٍ يخافُ ضياعَهُم من بعدِهِ، أو نحوِ ذلكَ من الأسبابِ، ونظرَ فيما يُقابلُ ذلكَ، فوجَدَ المفسَدَةَ في قرضِ الرِّبا غايتَهَا أن يُعينَ آكل الرِّبا على معصيَةِ الله، وبِتركِهِ الافتِراضِ منهُ فإنَّه لا يزجُرُه عن تلكَ المعصيَّةِ، فجانبُ الفسادِ في أكلِ الرِّبا باقٍ في حالِ اقتراضِه أو عدَمِهِ، فيظهرُ لهُ من ذلكَ ترجيحُ ارتِكابِ أخفِّ المفسدَتينِ، أمَّا جانبُ المظلمَةِ الَّلاحقِ لهُ في أخذِ الرِّبا منهُ فالمكلَّفُ صاحبُ الحقِّ في التَّنازُلِ عن مظلمتِه، وإنَّما الاعتبارُ لحقِّ الشَّرعِ، وهوَ في نظرِهِ قد قابلَ ضررًا أبلغ.
فإنْ قيلَ: خوفُ المفسَدَةِ كيفَ يُساوي المفسَدَة؟ فالجوابُ: أنَّ خوفَ المفسَدَةِ يكونُ لهُ حُكمُها في هذا البابِ وبابِ الإكراهِ إذا كانَ خوفًا راجِحًا قد عُلمَ رُجحانُهُ بالقرائنِ.
٥ـ (الضَّروراتُ تُقدَّرُ بقَدرِهَا) .
هذه القاعِدَةُ كالقيدِ للَّتي قبلَهَا، والمقصودُ بهَا: أن يُكتفى في استباحَةِ المُحرَّمِ للضَّرورةِ بالقدرِ الَّذي دفعَتْ إليهِ الضَّرورةُ من غيرِ مُجاوزَةٍ، لقولهِ تعالى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة: ١٧٣] .