والثالثُ: نسخُ قُرآنٍ بسُنَّةٍ، وهو واقعٌ في مذهبِ طائفَةٍ كبيرةٍ من أهلِ العِلمِ خلافًا للشَّافعيِّ وأحمدَ، وممَّا يُذكرُونَهُ لهُ مثالاً: نسخُ قولِه تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[البقرة: ١٨٠] بقولهِ - صلى الله عليه وسلم - المتقدِّم ذِكرهُ قريبًا:((لا وصيَّةَ لوارثٍ)) .
ووُقوعُ النَّسخِ في المثالِ المذكورِ بهذهِ الصُّورِ أظهرُ، والله أعلمُ.
وكونُ القرآنِ والسُّنَّةِ وحيًا لا يمنعُ وُقوعَ النَّسخِ بينَهُمَا، لأنَّهُمَا جميعًا من عندِاللهِ.
والرَّابعُ: نسخُ سُنَّةٍ بقُرآنٍ، كنسخِ استِقبالِ بيتِ المقدِسِ باستِقبالِ الكعبَةِ، فالأوَّلُ ثابتٌ بالسُّنَّةِ، وهو الحالُ الَّتي كان عليهَا رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنونَ معهُ في مكَّةَ وبعدَ الهِجرَةِ زمانًا، ونسخُه بالكتابِ، فعنْ عبد الله بن عبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قالَ: كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلِّي وهوَ بمكَّةَ نحوَ بيتِ المقدِسِ، والكعبَةُ بين يديهِ، وبعدمَا هاجرَ إلى المدينةِ ستَّةَ عشرَ شهرًا، ثمَّ صُرف إلى الكعبةِ [أخرجه أحمد بسندٍ صحيحٍ] ، وعنِ البرَاءِ بن عازبٍ رضي الله عنهُمَا قالَ: كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى نحو بيتِ المقدِسِ ستَّةَ عشرَ أو سبعَةَ عشرَ شهرًا، وكَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يحبُّ أن يُوجَّه إلى الكعبةِ، فأنزل الله:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}[البقرة: ١٤٤] فتوجَّه نحوَ الكعبَةِ، وقالَ السُّفهاءُ