ولم يزل عسكر الاسلام يكر عليهم ويفتك بهم إلى أن فشلوا وانخذلوا وأيقنوا بالبوار وحلول الدمار. وولى كليام دبور مقدمهم وشجاعهم في فريق من الخيالة منهزمين وحمل الأتراك والعرب حملةً هائلةً وأحدقوا بهم ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح ورشقاً بالسهام فما كان إلا بعض النهار حتى صاروا على وجه الأرض مصرعين وبين أرجل الخيل معفرين وغنموا منهم الغنيمة التي امتلأت أيديهم بها من الكراع والسلاح والأسرى والغلمان وأنواع البغال وهو شيء لا يحصر فيذكر ولا يجد فيعد ولم يسلم منهم إلى معسكرهم إلا القليل من الخيالة الذين نجت بهم سوابقهم المضمرة وعاد الأتراك والعرب إلى دمشق ظافرين غانمين منصورين مسرورين آخر نهار ذلك اليوم المذكور. فابتهج الناس بهذا اليوم السعيد والنصر الحميد وقويت به النفوس وانشرحت به الصدور وعزم العسكر على مباكرتهم بالزحف إلى مخيمهم عند تكامل وصوله وتسرع إليهم جماعة من الخيل وافرة وهم ينظرون إلى كثرة النار وارتفاع الدخان وهم يظنون إنهم مقيمون فلما دنوا من المنزل صادفوهم وقد رحلوا آخر تلك الليلة عندما جاءهم الخبر وقد أحرقوا أثقالهم وآلاتهم وعددهم وسلاحهم إذ لم يبق لهم ظهر يحملون عليه عند ما عرفوه من حقيقة الأمر الذي لا يمكن معه المقام مع معرفتهم بكثرة عسكر الأتراك ولا طاقة لهم به ولم يتمالكوا إن رحلوا لا يلوون على منقطع ولا يقفون على مقصر وخرج إلى منزلهم فغنموا منه الشيء الكثير من أثاثهم وزادهم وصادفوا