كل ما يوتغ الدين ويكره بين خيار المسلمين غير مكاثر للناس ولا معاشر لهم ولا مختلط بهم
وفي هذه السنة وردت الأخبار من ناحية للشمال بأن الأمير عماد الدين أتابك افتتح مدينة الرها بالسيف مع ما هي عليه من القوة والحصانة والامتناع على قاصديها والحماية على طالبيها من العساكر الجمة ومنازلتها وأن السبب في ذلك أن الأمير عماد الدين أتابك لم يزل لها طالباً وفي تملكها راغباً ولانتهاز الفرصة فيها مترقباً لا يبرح ذكرها جائلاً في خلده وسره وأمرها ماثلاً في خاطره وقلبه إلى أن عرف أن جوسلين صاحبها قد خرج منها في جل رجاله وأعيان حماته وابطاله لأمر اقتضاه وسبب من أسباب إلى البعد عنها دعاه للأمر المقضي والقدر النازل فحين تحقق ذاك بادر بقصدها وسارع إلى النزول في العسكر الدثر عليها لمضايقتها والحصر لمن فيها وكاتب طوائف التركمان بالاستدعاء لهم للمعونة عليها والاسعاد وأداء فريضة الجهاد فوصل إليه منهم الخلق الكثير والجم الغفير بحيث أحاطوا بها من جميع الجهات وحالوا بينها وبين ما يصل إليها من المير والأقوات والطائر لا يكاد يقرب منها خوفاً على نفسه من صوائب سهام منازليها ويقظة المضيقين عليها ونصب على أسوارها المناجيق ترمي عليها دائماً والمحاربة لأهلها مضراً ومواظباً. وشرع الخراسانيون والحلبيون العارفون بمواضع النقوب الماضون فيها فنقبوا في عدة مواضع عرفوا أمرها وتيقنوا نفعها وضرها ولم يزالوا على هذه الحال في الايغال في النقب والتمادي في بطن الأرض إلى أن وصلوا إلى تحت أساس أبراج السور فعلقوه بالأخشاب المحكمة والآلات المنتخبة وفرغوا من ذلك ولم يبق غير اطلاق النار فيها. فاستأذنوا عماد الدين أتابك في ذلك فأذن لهم بعد أن دخل في النقب وشاهد حاله واستعظم كونه وهاله. فلما أطلقت النار في تعليق النقوب