وفي آخر شهر ربيع الأول وصل الأمير الاسفهسلار مجد الدين أبو بكر محمد نائب المولى الملك نور الدين في حلب إلى دمشق عقيب عوده من الحج وأقام أياماً وعاد منكفئاً إلى منصبه في حلب وتدبير أعمالها وتسديد أحوالها وفي شهر ربيع الآخر سنة ٥٤٩ ثار في دمشق مرض مختلف الحميات منه ما يقصر ومنه ما يطول وأعقبه بعد ذلك موت في الشيوخ والشباب والصبيان ثم تقاصر ذلك وفي أيام من جمادى الأولى من السنة ورد الخبر من ناحية مصر بأن عدة وافرةً من مراكب الافرنج من صقلية وصلت إلى مدينة تنيس على حين غفلة من أهلها فهجمت عليها وقتلت وأسرت وسبت وانتهبت وعادت بالغنائم بعد ثلاثة أيام وهي صفر وبعد ذلك عاد من كان هرب منها في البحر بعد الحادثة ومن سلم واختفى وضاقت الصدور عند استماع هذا الخبر المكروه وفي شهر رمضان ورد الخبر من ناحية حلب بفاة القاضي فخر الدين أبي منصور محمد بن عبد الصمد الطرسوسي رحمه الله وكان ذا همة ماضية ويقظة مضيئة ومرؤة ظاهرة في داره وولده ومن يلم به من غريب ووافد وقد نفذ أمره وتصرفه في أعمال حلب في أيام الملكية النورية وأثر في الوقوف أثراً حسناً توفر به ارتفاعه. ثم انعزل عن ذلك أجمل اعتزال.