للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في منزلة الزراعة مدنية، وحضارة تدفع إلى المدنية والتقدم والرقي، وكذلك الصيد ما زال أهم الحرف المتحضرة في العصر الحديث، مثل صيد الأسماك والحيوانات البحرية العجيبة، ومثل استخراج اللآلئ، واليواقيت، والجواهر والمرجان من البحار، فأصبحت لها وزنها الحضاري وميزانها النقدي في مجال الاقتصاد المعاصر، فإذا ما توفرت هذه المصائد لدى أي أمة، قفزت بها هذه الحرفة إلى مستوى الدول الغنية الواسعة الثراء بين دول العالم في أنحاء الدنيا، ومنذ قرن اشتهرت بريطانيا بأساطيلها البحرية لصيد الأسماك والجواهر في البداية، وعن طريق الترويض في هذه الحرفة خلعت عليها الدول المجاورة لقب "سيدة البحار"، ثم انطلقت من هذه الحرفة لتسيطر على الدول الضعيفة باستعمار أراضيها قرابة قرن من الزمان.

أما حرفة الرعي فكانت مهنة أفضل خلق الله، وهم الرسل عليهم السلام، لتنمي في نفوسهم غريزة الصبر وقوة الاحتمال، وتحمل الشدائد، فكليم الله موسى -عليه السلام- حينما خرج خائفًا من المدينة، وتوجَّه تلقاء مدين، وجدّ أمة من الناس يسقون أغنامهم من بئر، قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ

<<  <   >  >>