كهف، آية وكرامة لهم تخدلهم إلى الأبد، لا يستطيع أحد أن يصل إليهم بأذى على الرغم من أنهم قد ناموا فيه ثلاثمائة وتسع سنين، وهي كرامة تتحقق لأولياء الله الصالحين، كما سيضح ذلك من خلال التصوير القرآني لهذه الآية الكريمة.
ودلائل الإعجاز في ذلك جرت في الحروف والكلمات والأسلوب والصور التي شكلت الصورة الكلية المعجزة، فالتصوير القرآني في "الفاء" وهو حرف يدل على عظيم منزلتهم عند الله تعالى، يدل على الترتيب بسرعة الاستجابة لهم، والتعقيب بلا تريث، على العكس من "ثم" التي تدل على التريث والتراخي، ثم تأمل الصورة القرآنية في قوله:{فَضَرَبْنَا} التي تدل على تكريمهم حين حفظهم في الكهف بالنوم، من أن تمتد إليهم أيادي الملك وأعوانه، ولا تصلح "أنامهم"، لأن في الضرب دلالة أخرى غير النوم، وهي المجازاة والإيحاء بالعقاب، وهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، لأن معاني الضرب في اللغة الإيذاء والإقامة والتثبيت والنوم، وفي هذا التصوير دلالة على أنهم ليسوا بأنبياء؛ لأن النبي لا يفرُّ من المواجهة في الدفاع عن عقيدة التوحيد، بل كانوا أولياء، لأنهم لجئوا إلى العزلة عن الناس، والإيواء إلى الله تعالى.
وتأمَّل الإعجاز في هذه الصورة القرآنية في قوله تعالى:{عَلَى آذَانِهِمْ} والشأن القريب عند الإنسان في مفهوم النوم أن يكون الضرب على الأعين لا على الآذان، فتنطبق الأجفان، ولا تتحرك الأحداق، لكن الإعجاز ينأى عن ذلك المتعارف، ليصور النوم الحقيقي لا الظاهري، فيجعله ضربًا على الآذان فلا يسمع النائم أحدًا، لا على الأعين، فقد