للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقوله: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي" الحديث (١).

فالشكوى إليه سبحانه لا تنافي الصبر الجميل بل إعراض عبده عن الشكوى إلى غيره جملة وجعل الشكوى إليه وحده هو الصبر، واللَّه سبحانه يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه، وقد ذم سبحانه من لم يتضرع إليه ولم يستكن له وقت البلاء، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (٧٦)[المؤمنون: ٧٦].

والعبد أضعف من أن يتجلد على ربه، والرب تعالى لم يُرِد من عبده أن يتجلد عليه، بل أراد منه أن يستكين له ويتضرع إليه، وهو تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه، ويحب من يشكو ما به إليه.

وقيل لبعضهم: كيف تشكو إليه ما لا يخفى عليه؟ فقال:

قالو أتشكو إليه ما لا يخفى عليه

فقلتُ ربّيَ يرضى ذلّ العبيد لديه (٢)

والمقصود: أنه سبحانه أمر رسوله أن يصبر صبر أولي العزم الذين صبروا لحكمه اختيارا وهذا أكمل الصبر؛ ولهذا دارت قصة الشفاعة يوم القيامة على هؤلاء حتى ردّوها إلى أفضلهم وخيرهم وأصبرهم الحاكم اللَّه صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين.

فإن قيل: فأيُّ أنواع الصبر الثلاثة أكمل: الصبر على المأمور، أم


(١) سبق تخريجه ص ٢٢.
(٢) ذكرهما ابن القيم أيضًا في "مدارج السالكين" (٣/ ١٥٤)، والمنبجي في "تسلية أهل المصائب" ص ٢١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>