للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو أشق شيء وأفضله.

قالوا: وإنّ ترك المحبوب الذي تحبه النفوس دليل على أن من تُرِكَ لأجله أحب إليه من نفسه وهواه، بخلاف فعل ما يحبه المحبوب فإنه لا يستلزم ذلك.

قالوا: وأيضًا فالمروءة والفتوة كلها في هذا الصبر؛ كما قال الإِمام أحمد: "الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى" (١)، فمروءة العبد وفتوته بحسب هذا الصبر.

قالوا: وليس العجب ممن يصبر على الأوامر؛ فإن أكثرها محبوبات للنفوس لما فيها من العدل والإحسان والإخلاص والبر، وهذه محابٌ النفوس الفاضلة التركية، بل العجب ممن يصبر عن المناهي التي أكثرها محابٌ النفوس، فيترك المحبوبَ العاجلَ في هذه الدار للمحبوب الآجل في دار أخرى، والنفس موكلة بحب العاجل، فصبرها عنه مخالف لطبعها.

قالوا: وإنّ المناهي لها أربعة دواعٍ تدعو إليها: نفس الإنسان، وشيطانه، وهواه، ودنياه، فلا يتركها حتى يجاهد هذه الأربعة حق الجهاد، وذلك أشق شيء على النفس وأمَرُّه.

قالوا: فالمناهي من باب حِميَة النفوس عن مشتهياتها ولذاتها، والحمية مع قيام داعي التناول وقوته من أصعب شيء وأشقِّه.


(١) رواه القشيري عنه في "رسالته" ص ٣١٨، من رواية عبد اللَّه بن الإِمام أحمد عن أبيه.
وذكره شيخ الإِسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (١١/ ٨٤)، وابن مفلح في "الآداب الشرعية" (٢/ ٢٣١)، وذكره أيضًا ابن القيم في "مدارج السالكين" (٢/ ٣٤١)، وفي "روضة المحبين" ص ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>