للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجوه (١):

أحدها: أنّ فعل المأمور مقصود لذاته، وهو مشروع شرع المقاصد، فإن معرفة اللَّه وتوحيده وعبوديته وحده والإنابة إليه والتوكل عليه وإخلاص العمل له ومحبته والرضا به والقيام في خدمته هو الغاية التي خُلق لها الخلق وثبت (٢) بها الأمر، وذلك أمر مقصود لنفسه.

والمنهيات إنما نُهي عنها لأنها صادّة عن ذلك أو شاغلة عنه أو معوِّقة أو مفوِّتة لكماله، ولذلك كانت درجاتها في النهي بحسب صدها عن المأمور وتعويقها عنه وتفويتها لكماله.

فهي مقصودة لغيرها والمأمور مقصود لنفسه، فلو لم يصُدَّ الخمر والميسر عن ذكر اللَّه وعن الصلاة وعن التوادّ والتحابّ الذي وضعه اللَّه بين عباده لما حرمه، وكذلك لو لم يَحُلْ بين العبد وبين عقله الذي به يعرف اللَّه ويعبد ويحمد ويمجد ويصلي له ويسجد لما حرمه، وكذلك سائر ما حرمه إنما حرمه لأنه يصدّ عما يحبه ويرضاه، ويحول بين العبد وبين إكماله.

الثاني: أنّ المأمورات متعلقة بمعرفة اللَّه وتوحيده وعبادته وشكره


(١) وقد رجّح ابن القيم في كتابه "الفوائد" ص ١١٩ - ١٢٨ هذا القول، وذكر له ثلاثة وعشرين وجهًا.
وذكر الخلاف في "طريق الهجرتين" ص ٤١٤ - ٤١٥. ثم قال: "وفصل النزاع في ذلك أن هذا يختلف باختلاف الطاعة والمعصية، فالصبر على الطاعة المعظمة الكبيرة أفضل من الصبر عن المعصية الصغيرة الدنية، والصبر عن المعصية الكبيرة أفضل من الصبر على الطاعة الصغيرة. . . ".
(٢) في الأصل: "ثبت"، والمثبت من النسخ الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>