وهذا من أعظم الجهل، فإن هذا التداوي لا يزيل الداء بل يزيده ويقويه، وكم مِمّن تداوى بذلك فكان هلاك دينه ودنياه في هذا الدواء! بل الدواء النافع لهذا الداء الصبر والتقوى، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦)﴾ [آل عمران: ١٨٦]، وقال: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠)﴾ [يوسف: ٩٠]، فالصبر والتقوى دواء كل داء من أدواء الدين ولا يَستغني أحدهما عن صاحبه.
فإن قيل: فهل يثاب على الصبر في هذا القسم إذا كان عاصيًا مفرّطًا يتعاطى أسبابه؟ وهل يكون معاقَبًا على ما تولد منه وهو غير اختياري له؟
قيل: نعم، إذا صبر للَّه وندم على ما تعاطاه من المسبب المحظور، أثيب على صبره؛ لأنه جهاد منه لنفسه وعمل صالح، واللَّه لا يضيع أجر من أحسن عملا.
وأما عقوبته فإنه يستحق العقوبة على المسبب وما تولد منه، كما يعاقب السكران على ما جناه في حال سكره، فإذا كان المسبب محظورًا لم يكن السكران معذورًا، فإن اللَّه سبحانه يعاقب على الأسباب المحرمة وعلى ما تولد منها، كما يثيب على الأسباب المأمور بها وعلى ما تولد منها. ولهذا كان من دعا إلى بدعة وضلالة فعليه من الوزر مثل أوزار من تبعه (١)؛ لأن اتّباعهم له تولد عن فعله، ولذلك كان على ابن آدم القاتل
(١) كما جاء في حديث أبي هريرة ﵁ أن رسول اللَّه ﷺ قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا". أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (٢٦٧٤).