للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرّ الرَّمْضاء فلم يُشْكِنا" (١) على هذا المحمل، وقال: شكوا (٢) إليه حرّ الرمضاء الذي كان يصيب جباهَهم وأكفَّهم من تعذيب الكفار فلم يُشكِهم، وإنما دَلّهم على الصبر.

وهذا الوجه أنسب من تفسير من فسّر ذلك بالسجود على الرمضاء، واحتج به على وجوب مباشرة المصلي بالجَبْهة، لثلاثة أوجه:

أحدها: أنه لا دليل في اللفظ على ذلك.

الثاني: أنهم قد أَخبروا أنهم كانوا مع النبي ، فكان أحدهم إذا لم يستطع أن يسجد على الأرض بسط ثوبه فيسجد عليه (٣)، والظاهر أن هذا يبلغه ويعلم به وقد أقرّهم عليه.

الثالث: أن شدة الحرّ في الحجاز تمنع مباشرة الجبهة والكفّ للأرض، بل تكاد تشوي الوجهَ والكفَّ فلا يتمكن (٤) من الطمأنينة في السجود، ويذهب خشوع الصلاة، ويتضرر البدن، ويتعرض للمرض، والشريعة لا تأتي بهذا.

فتأمل رواية خبّاب لهذا وللذي قبله واجمع بين اللفظين والمعنيين، ولا تستوحش من قوله: "فلم يُشكِنا"، فإنه هو معنى إعراضه عن


(١) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (٦١٩).
(٢) في الأصل: "شكونا"، والتصويب من النسخ الأخرى.
(٣) وذلك فيما رواه البخاري في "صحيحه" رقم (١٢٥٨)، ومسلم في "صحيحه" رقم (٦٢٠) من حديث أنس بن مالك قال: "كنا نصلي مع رسول اللَّه في شدة الحرّ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمكن جبهته من الأرض، بسط ثوبه فسجد عليه".
(٤) في الأصل: "تمكن": والتصويب من النسخ الثلاث الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>