الاعتبار الثاني: أن الإيمان مبني على ركنين: يقين، وصبر. وهما الركنان المذكوران في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ (١) أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)﴾ [السجدة: ٢٤].
فباليقين يَعلم حقيقةَ الأمر والنهي، والثواب والعقاب، وبالصبر ينفِّذ ما أُمر به ويكفُّ نفسه عما نُهي عنه، ولا يحصل له التصديق بالأمر والنهي أنه من عند اللَّه وبالثواب والعقاب إلا باليقين، ولا يمكنه الدوام على فعل المأمور وكف النفس عن فعل المحظور إلا بالصبر، فصار الصبر نصف الإيمان، والنصف الثاني الشكر، بفعل ما أمر به، وترك ما نهي عنه.
الاعتبار الثالث: أن الإيمان قول وعمل، والقول قول القلب واللسان، والعمل عمل القلب والجوارح.
وبيان ذلك: أن من عرف بقلبه، ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمنًا، كما قال تعالى عن قوم فرعون: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤]، وكما قال عن قوم عاد وقوم صالح: ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨)﴾ [العنكبوت: ٣٨]، وقال موسى لفرعون: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: ١٠٢].
فهؤلاء حصل لهم قول القلب وهو: المعرفة والعلم، ولم يكونوا بذلك مؤمنين.
وكذلك من قال بلسانه وليس في قلبه، لم يكن بذلك مؤمنًا، بل كان
(١) في الأصل و (ب): ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ﴾، وهي على الصواب في (م) و (ن).